[يجب الإيمان بالأخبار المتعلقة بيوم القيامة ولا تقاس على أمور الدنيا]
قوله:(في كتابه وعلى لسان رسوله) يعني أن القيامة ذكرت في القرآن في آياتٍ كثيرة جداً، وذلك أن القيامة تقوم على هذه الأمة، والقرآن نزل لهذه الأمة.
وقوله:(على لسان رسوله) يقصد بذلك الأحاديث التي وضَّح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيامة، وهي كثيرةً جداً وموجودة وميسورة لمن أرادها، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، وبعد القيام يختلفون في المسير إلى المحشر الذي يكون في مكانٍ معين، فيجمعون فيه من أولهم إلى آخرهم، ويكونون وقوفاً قياماً، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:٦] ، أي: قياماً على أرجلهم، فمنهم من يقوم ألف سنة، ومنهم من يقوم أكثر من ذلك على حسب أعمالهم، وأمور الآخرة ليست على الشيء الذي نعهده، ولهذا جاء أنهم يعرقون عرقاً عظيماً حتى يلجم بعضهم عرقه، ويكون في جواره آخر فلا يصل إليه من عرقه شيء، ومنهم من يكون عرقه إلى حقويه، ومنهم من يكون إلى أذنيه، ومن هم من يصل إلى فمه، ومنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون تحت ظل العرش فلا يعرق.
فهذه أمور عجيبة جداً، كيف أن العرق يصل إلى هذا الحد مع أنهم لا ماء ولا أكل؟! ويكونون عراة، والشمس تكون قريبة منهم على قدر ميل، والميل ظهر أنه المسافة المعهودة المعروفة، وحر الشمس يتضاعف في هذا اليوم تضاعفاً شديداً، والناس خلقوا ليبقوا، فلا يمكن إذا زاد عليهم صهر الشمس وحرها أن يموتوا؛ لأنه لا موت بعد النفخ في الصور النفخة الثانية، ولا يكون هناك موت إلا للبهائم التي يجمعها الله جل وعلا ثم يقتص لبعضها من بعض؛ لأن بعضها يعتدي على بعض، وبعضها يكون له قرون، والآخر لا يكون له قرون، فيقتص لبعضها من بعض لكمال العدل، ثم يقال لها: كوني تراباً.
عند ذلك يتمنى الكفار أن يكونوا تراباً، ولكن هذا لا سبيل إليه.
وكذلك بعد هذا القيام الطويل والعذاب الشديد لأكثر الناس يتمنى كثيرٌ منهم أن يُقضى بينهم ولو إلى النار لشدة الوقوف وهوله وصعوبته.
ولهذا فإن كثيراً من الآيات في القرآن فيها تحذير من هذا الموقف، كما قال الله جل وعلا:{الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة:١-٣] وقال سبحانة: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:١-٣] ، وقال:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}[الواقعة:١-٢] ، وهذه كلها يقصد بها القيام لرب العالمين؛ لأن هوله شديد، ويقول جل وعلا:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ}[غافر:١٨] ، ويقول جل وعلا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:١-٢] .
والآيات في هذا كثيرة جداً، يذكر الله جل وعلا فيها شدة هذا اليوم، وقد أخبر أنه يوم عسير على الكافرين، وأخبر أن المتقين يخافونه فقال:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان:٩-١٠] ، فالمؤمنون يخافون الوقوف في هذا اليوم، وهو خليق بأن يُخاف منه لشدة الهول فيه.
ولم يذكر المؤلف رحمه الله الترتيب الذي يكون يوم القيامة؛ لأنه لم تأتِ نصوص تبين هذه الأمور مرتبة، فلم يأتِ أن هذا يكون بعد هذا، أو أن هذا يكون هذا، وإنما جاء الإخبار عنها هكذا، وإلا فالمناسب -فيما يظهر-، أن تذكر الشفاعة بعد الوقوف؛ لأن أول ما يقع بعد شدة الوقوف والهول الشديد الشفاعة -فيما يظهر- ويجوز أن يكون شيء آخر غير الشفاعة؛ لأنه لم تأتِ نصوصٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ولا عن الله جل وعلا ترتب أمور الآخرة، ولهذا اختلف العلماء فيها، وذكرا المؤلف هذه الأمور حسبما جاءت الأخبار بها من غير ترتيب، والترتيب الله أعلم به، ولكن لابد من وقوع ذلك، ولابد من الإيمان به.