كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله جل وعلا بقبوله، وقد سلك السلف الصالح طريقة ابن مسعود حيث يستدلون بآيات الله ثم بأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، كما فعل الإمام أحمد والبخاري وغيرهما ممن سبقهما وممن أتى بعدهما ممن يسلك هذا الطريق، بخلاف أهل البدع فإنهم لا يقبلون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنها أخبار آحاد، إلا أن تكون متواترة، وهذا مع الأسف قد تعدى إلى بعض من يشتغل بالحديث، وممن يحسب من أهل السنة، وإن كان عن اجتهاد، ولكنه اجتهاد غير مفيد، بل هو خطأ محض، مثل ما يذكر بعض من يشتغل في شروح الأحاديث -بل ويشتغل في نقل السنة- أنه لا يقبل من السنة إلا ما كان متواتراً، وهذا تأثر بأهل البدع، وهذا المسلك سلكه جماعات، وبعضهم يعد من كبار العلماء، مثل الخطابي عفا الله عنا وعنه، فإنه ذكر في شرحه للبخاري أشياء من هذا القبيل، مع أنه ذكر في غير شرحه للبخاري قواعد لم يدل عليها كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأنكر ما دلت عليه أحاديث الأفراد، مثل حديث ابن مسعود الذي فيه ذكر الأصابع، مع أنه حديث متفق عليه، فنص على أنه لم يدل على الأصابع كتاب ولا سنة، هكذا قال، وقصده السنة المتواترة، والمقصود: التمثيل فقط، وأن هذا من نهج أهل البدع، فيجب أن يقبل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صحيحاً أو حسناً؛ فإن الحسن من أقسام الصحيح، والصحيح هو ما توافر فيه شروط خمسة كما هو معروف عند أهله: أن ينقله العدل عن مثله، وأن يكون السند متصلاً، وألا يكون فيه شذوذ ولا علة.
وشروط الحسن هي نفسها، إلا أنه يكون من نقلها أخف ضبطاً ممن ينقل الحديث الصحيح، وهذا الحسن لذاته، أما الحسن لغيره فهو أن يختل فيه شرط، ولكنه ينجبر لكثرة طرقه كما هو معروف، وكل هذا مقبول عند أهل السنة، ولا فرق بين كون الحديث جاء بهذه الصفة وكان يدل على أحكام تتعلق بأفعال المكلفين، أو يدل على علم وعقيدة، لا فرق بين هذا وهذا، ويجب أن يقبل الجميع، وأهل السنة لا يفرقون بين العقائد وبين الفروع والأحكام في علم السند، إنما عندهم كل دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على شيء من العلم سواء كان من الفروع أو من الأصول وجب قبوله.
قوله:(فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه) ، هذه ألفاظ مترادفة.
تفسره: التفسير هو الإيضاح والكشف والبيان.
والتبيين: تبينه؛ لأنه يكون مجملاً في بعض الأماكن فتبينه.
وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وتقريراته، فإذا أقر إنساناً على فعل من الأفعال فإن ذلك يعد سنة، ويكون من هذا النوع، إما مبيناً ومفسراً موضحاً أو يكون مطابقاً كما سبق، أو يكون أصلاً أثبت فيه ما لم يثبت في كتاب الله جل وعلا، ويدل على هذا ما رواه أهل السنن من قوله صلى الله عليه وسلم:(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) ، فالكتاب هو القرآن، ومثله: أحاديثه التي يوحيها الله جل وعلا إليه، وكذلك قول الله جل وعلا:{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣-٤] .
وقد اشتغل العلماء في بيان ذلك وإيضاحه، ففرقوا بين الوحيين تفريقاً لا يؤثر في القبول أو في إثبات الأحكام والعقائد، وإنما الفرق من ناحية أن كلام الله جل وعلا معجز، ومتحدى به، ومتعبدٌ بتلاوته، أما أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم فليست كذلك.