قوله:(وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره) يقصد بهذا: الرد على الذين قالوا: إنه قول الرسول وتعللوا أو تشبثوا بقول الله جل وعلا: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}[الحاقة:٤٠-٤٢] وبقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}[التكوير:١٩-٢١] ولم تأت إضافته إلى الرسول في القرآن إلا في هاتين الآيتين، فتعلق بذلك أهل البدع، وقالوا: هذا دليلنا على أنه قول الرسول بمعنى أن الرسول هو الذي تكلم به وعبر به عما في نفس الله تعالى وتقدس، وأما الكلام الذي يوصف الله جل وعلا به فهو المعنى القائم بنفسه، وهذا قول الأشاعرة والكلابية، والكلابية إمامهم عبد الله بن سعيد بن كلاب وهو قبل الأشعري بل هو شيخه وإن لم يتلق عنه، لكنه أخذ عنه المذهب فيما بعد فقال: إن القرآن حكاية عن كلام الله، فجاء الأشعري وقال: بل عبارة عن كلام الله، وذلك أن المحكي يحاكي ما حكي عنه يعني: يماثله، بخلاف العبارة فإنها لا تماثله، وهو خلاف في الألفاظ، وكله باطل وخلاف الحق، واستدلوا بهذه الآية، وهذه الآية تدل على بطلان قولهم، وذلك أنه قال:(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فجعله قول رسول، والرسول معلوم أنه مرسل يأتي برسالة فليس قوله ابتداء، وإنما هو قول مرسله الذي جاء برسالته، كما أن في آية الحاقة جعله من قول الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم، وفي آية التكوير جعله قول الرسول الملكي الذي هو جبريل، ومعلوم أن وصفه بأنه قول واحد منهما ابتداءً ينافي أن يكون قول الآخر، فدل هذا على أنه أضيف إليهما؛ لأنهما مبلغان له عن الله جل وعلا وذلك لا يخالف كونه كلام الله جل وعلا كما قال جل وعلا:{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة:١٣] وأخبر أنه كلامه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ) ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) ومعلوم أنه يسمع كلام الله من المبلغ لا من الله.
هذا معنى قوله:(وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره) .