سميت الكرامة كرامة لأنه يكرم بها الولي، والولي هو الذي يتقي الله ويخافه ويعمل على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الفصل ذكره المؤلف ليبين بطلان ما ذهب إليه بعض أهل البدع من المعتزلة وبعض الأشاعرة الذين ينكرون كرامات الأولياء ويقولون: لو قلنا بها وأقررنا بها لالتبس الأمر على الناس؛ لأننا لا نفرق بين كرامات الأولياء، وبين شعوذة المشعوذين، وبين معجزات الرسل؛ لأن الباب واحد، وبعضهم قال: إنه لا يكون ذلك إلا بالدعوة.
والمؤلف ذكر هذا ليبين أن طريقة أهل السنة خلاف ذلك، وأن الخارق للعادة ليس هو العلامة الوحيدة على أن الإنسان ولي، فليس كل من وقع له خارقاً للعادة يكون ولياً، بل لابد أن ينظر إلى حاله، فإن كان متقياً لله جل وعلا، متبعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حكم بأنها كرامة، أما إن كان مخالفاً للسنة، صاحب بدعة، صاحب معصية، متلبساً بالكذب وأكل أموال الناس بالباطل والافتراء؛ فهي حال شيطانية من أحوال الشياطين؛ لأن الشيطان يخدم أولياءه، ويأتي إليهم بأعمال لا يستطيعها الإنس من أعمال الشياطين، فهم يفرقون بين الأولياء وبين أعداء الله بالنظر إلى التقوى وإلى الاتباع؛ لأن الله جل وعلا يقول:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:٦٢-٦٣] .
ثم إنكار الكرامات إنكار للواقع؛ لأنه لا يخلو وقت منها، ومن ذلك إجابة الدعاء، وهذا يحدث لكل مؤمن متق لله جل وعلا، ولكن بعضهم تكون استجابته ظاهرة وفي الحال، كما كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فإنه كان مجاب الدعوة، وما دعا دعوة إلا ورئيت إجابتها، فإنه لما كان أميراً على الكوفة، وكانت عادتهم شكوى الأمراء، فاشتكوه ورموه بأشياء حتى قالوا: إنه لا يحسن أن يصلي، وهذا من العجب! ثم سئل عنه في الكوفة، فكل من سئل عنه كان يثني عليه، إلا رجل قام فقال: أما إذا نشدتنا، فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يمشي بالسرية، ولا يعدل في القضية، فقال: اللهم إن كان كاذباً فأطل عمره، وأعم بصره، وعرضه للفتن، فوقع ذلك كما دعا، فطال عمره، وعمي، وصار يقف في الطريق يتحسس النساء، فإذا أحس بامرأة تعرض لها، وجفونه قد سقطت على عيونه من الكبر، فإذا لوم في ذلك قال: أصابتني دعوة الرجل الصالح.
وكذلك سعيد بن جبير رضي الله عنه كان مجاب الدعوة، حتى إنه كان له ديك يوقظه للصلاة، وفي يوم لم يصح الديك حين طلع الفجر، فلما رأى الفجر قد طلع قال: ما له قطع الله عنقه، فانقطع صوته في الحال، ولما دعا على الحجاج أهلكه الله، فإنه قال: اللهم اجعلني آخر من يسلط عليه من أمة محمد، فهلك بعده بزمن يسير.