وقوله:(أمرك في السماء والأرض) ، الأمر هنا يقصد به الأمر الكوني أو القدري وهو الذي يكون في السماء والأرض، يعني: الذي لا يرد، فإذا قدر أمراً من أموره جل وعلا لابد من نفوذه، وهذا من مقتضى ربوبيته جل وعلا، وأمر الله ينقسم إلى قسمين: أمر كوني كما في هذه الفقرة، وأمر ديني.
أما الأمر الكوني فكقوله جل وعلا:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:٨٢] ، والأمر الديني كقوله جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:٩٠] ، وقوله:(أمرك في السماء والأرض) ، يقصد به الأمر الكوني، بدليل أنه جعله عاماً في السماء والأرض، يعني: أنه نافذ لا يمكن أن يرد، ولا يمكن أن يعترض عليه، وهذا الذي توصف به كلماته؛ لأن كلمات الله جل وعلا تكون قدرية وتكون شرعية، فالقدرية يستعان بها ويدعى الله بها، والشرعية كذلك؛ ولهذا جاء في الحديث كما سيأتي:(أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) ؛ لأن المجاوزة معناها ومقتضاها العصيان.
والكلمات الشرعية الدينية أكثر الناس يجاوزونها ويعصون الله فيها، أما الكلمات الكونية القدرية ما أحد يتجاوزها، والأمر مثل ذلك.
وقوله:(كما أن رحمتك في السماء) ، هذا توسل إلى الله جل وعلا، فأولاً توسل بربوبيته، ثم بعموم ملكه وتصرفه جل وعلا، وأن أمره هو النافذ، وليس لأحد معه أمر، ثم توسل برحمته التي وسعت كل شيء، والرحمة تأتي ويراد بها الصفة التي يتصف بها الرب جل وعلا، ويراد بها أثرها المترتب، والأثر يكون مخلوقاً؛ ولهذا جاء وصف الجنة بأنها رحمة الله كما قال جل وعلا للجنة:(أنت رحمتي أرحم بك من أشاء) ، فهي رحمة مخلوقة، وجاء في الحديث الصحيح:(إن الله خلق الرحمة مائة جزء) ، فهذه المخلوقة ليست هي صفته، وإنما هي أثر صفته.
ثم قال:(اجعل رحمتك في الأرض كما رحمتك في السماء) ؛ لأن السماء ليس فيه معاصي، وليس فيها إلا من هو خاضع مطيع مستكين لربه جل وعلا، (اجعل رحمتك في الأرض) يعني: الرحمة التي هي أثر الصفة، ثم قال:(واغسل لنا حوبنا) ، والحوب: هو أثر الذنب، كما قال جل وعلا:{إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:٢] يعني: آثاره، (وخطايانا) الخطايا: الذنوب.