للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلام الله هو كتاب الله]

قال رحمه الله: [وقوله: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:٢٧] ، وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:٧٦] ، وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:٩٢]] هذا نوع آخر من إبطال قول بعض أهل البدع؛ لأنهم يفرقون بين كلام الله وبين كتاب الله، فالكتاب عندهم: ما كان مشتملاً على الحروف والأصوات، وما كان مكتوباً، وما كان مقروءاً، وما كان مسموعاً، فإن هذا هو كتاب الله عندهم، ولكنه مخلوق، ولم ينزل من عند الله، وإنما قاله الرسول إما الرسول الملكي أو الرسول البشري، وأمر بكتابته محمد صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل الرسول إليه بشيء من عند الله، وإنما نزل بكلامه الذي عبر به عن المعنى القائم بنفس الله جل وعلا! هذا حقيقة مذهبهم وقولهم، فلم ينزل -عندهم- من عند الله كتاب، ولم يتكلم الله جل وعلا بكلام يسمع، ولم يكن كلامه مشتملاً على حروف أو أقوال، وإنما كلامه معنى واحد قائم بنفسه، وهو عبارة عن أمور أربعة هي: الأمر والنهي والخبر والاستفهام، وزعموا أن معناها واحد، ولكن إذا عبر عنها بالأمر صارت أمراً وإذا عبر عنها بالنهي صارت نهياً، وإذا عبر عنها بالخبر صارت خبراً، وإذا عبر عنها بالاستفهام صارت استفهاماً، فلا فرق بين هذه الأمور في الواقع عندهم، وكذلك إذا عبر عن هذا المعنى باللغة العربية صار قرآناً، وإذا عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل، وإذا عبر عنه بالعبرية فهو توراة، وعلى هذا تكون آية الدين هي عين آية الكرسي، وسورة (تبت) هي عين سورة (قل هو الله أحد) ؛ لأن المعنى الذي عبر عنه واحد قائم بنفس الله جل وعلا، وهذا لا يعقله عاقل، بل هو باطل شرعاً وفطرة وعقلاً وإجماع من لم تتغير فطرته، وهذا مذهب كثير من الناس إلى اليوم! والناس المقصود بهم العلماء، ومن المصائب الكبيرة أنهم ينسبون هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بريء من ذلك، فأراد المؤلف أن يبين بطلان هذا بذكر هذه الآيات: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف:٢٧] ، فالكتاب والقرآن والتنزيل والكلام والوحي كله سواء عند أهل الحق، لا فرق بين هذا، والذي يفرق بين هذه الأمور هم أهل البدع، وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:٩٢] ، والإشارة إلى ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ونزل به جبريل وألقاه على قلبه فعلمه وعقله ثم بلغه إلى أصحابه، وأصحابه بلغوه إلى الأمة، وقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١] ، المقصود هنا لفظ التنزيل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ} [الأنعام:٩٢] ، {َلوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ} [الحشر:٢١] ، والتنزيل يعرفه أهل اللغة، بل يعرف العقلاء أنه ما نزل من فوق إلى تحت، فهو نزل من الله؛ لأن الله في العلو فأنزله مع رسوله جبريل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>