[التعبير بالتمثيل أولى من التعبير بالتشبيه وذكر الفرق بينهما]
الشيخ رحمه الله عدل إلى كلمة (تمثيل) بدل كلمة (تشبيه) ، وغيره ممن يكتب في العقائد يقول:(بلا تكييف ولا تشبيه) ، وهو رحمه الله أراد أن تكون هذه العقيدة صافية ليس فيها كلمة من كلام أهل البدع أو كلمة ليست في الكتاب والسنة؛ لأن كلمة (التشبيه) لم يأت نفيها في الكتاب والسنة ولم يأت إثباتها، فهذا السر في عدوله إلى كلمة (التمثيل) ، والتمثيل جاء نفيه في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ، فالتمثيل هو: المماثلة التي تقتضي مشابهة ولو بصفة من الصفات، ولو بحق من الحقوق، وأصحاب التشبيه قسمان: قسم في الواقع قليل؛ ولكنه حدث في شذوذ الناس، وأكثر من حدث فيهم هم الرافضة في أول أمرهم، ثم بعد ذلك صاروا معتزلة.
وليعلم أن التشبيه أصبح أمراً إضافياً، فكثير من الكتب والمؤلفات فيها ذكر التشبيه وذم أصحابه، ولو أنك بحثت عن طائفة معينة لها كتب مستقلة، ولها أئمة وعلماء يسمون المشبهة فلن تجد ذلك، والسبب في هذا: أن كل فريق إذا خالف فريقاً آخر أو أثبت ذلك الفريق المخالف خلاف ما يقوله هذا الفريق سماه مشبهاً، ولهذا متطرفة الجهمية يسمون المعتزلة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الأسماء، والمعتزلة يسمون الأشعرية مشبهة؛ لأنهم يثبتون بعض الصفات، والأشعرية يسمون أهل السنة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الصفات، وهكذا أصبح مفهوم التشبيه على حسب الاعتقاد، وقد يكون في الواقع ليس صحيحاً، وبعض الناس رمي بالتشبيه وليس ثابتاً عنه، وهذا يوجد في كتب المقالات، مثل مقاتل بن سليمان يقولون عنه: إنه مشبه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ما أظن ذلك يثبت عنه، وما وجدت شيئاً من كلامه يستدل به على ذلك، والذين رموه بالتشبيه أخذوا ذلك من أعدائه، والآن قد طبع كثير من كتبه مثل التفسير وغيره، ومعلوم أن التفسير هو مظنة ذلك، ولا يوجد في تفسيره كلمة واحدة تدل على أنه مشبه، وهذا يعطينا فائدة وهي: أن الإنسان يجب عليه أن يتثبت، فإذا قيل له: إن الطائفة الفلانية كذا وكذا وفيها كذا وكذا، فيجب أن يرجع إلى كلامها أو إلى كلام الشخص نفسه، ولا يأخذ هذا من كلام الناس، وهذا في الواقع خطأ يضر كثيراً جداً، فتجد إنساناً -مثلاً- ينقل عن آخر قولاً يكون خطأ؛ لأنه فهمه على غير مراده غلطاً، فينقل عنه شيئاً حسب ما فهم، وربما انتشر ذلك فنسب إليه قول لم يقله، وهذا كثير، فالواجب على الإنسان أن يتثبت في مثل هذه الأمور، ويكون على بصيرة، ولا يغتر بالنقل، وليس كل من نقل شيئاً أخذ به، وإنما تؤخذ العقائد وأقوال الناس من كتبهم، ومنهم أنفسهم، ولا يؤخذ من أعدائهم؛ لأن العدو قد يقول عن عدوه ما لم يقله، وهذا لا يسري على جميع الناس؛ فإن أهل الحق الذين هم أهل السنة يمنعهم إيمانهم وخوفهم من الله أن يقولوا على الإنسان ما لم يقله، فأقوالهم إذا قالوها فهي موثوق بها.