والواقع أن الشفاعة لله، كما قال الله جل وعلا:{أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}[الزمر:٤٣-٤٤] ، فهي له جل وعلا، ويقول جل وعلا:{قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}[سبأ:٢٢-٢٣] ، والله جل وعلا لا يأذن إلا لأهل الإخلاص، أما المشركون فإن الله جل وعلا أخبر أن من مات مشركاً فإن الجنة عليه حرام، كما قال سبحانه:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}[المائدة:٧٢] ، وقال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[النساء:٤٨] .
وعلى هذا فما استدل به أهل البدع على نفي الشفاعة من الآيات ليست في المؤمنين الموحدين، وإنما هذه الآيات في الكافرين؛ لأنهم هم الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وهم الذين لا تقبل فيهم الشفاعة ولا يقبل منهم الفداء.
فالواجب التمييز بين أهل الإيمان الذين ماتوا على الإيمان وإن كان عندهم ذنوب وبين الكافرين، وحقيقة الأمر أن الشفاعة لأهل التوحيد المذنبين الذين ماتوا على كبائر وذنوب استحقوا بها دخول النار أو دخلوا بالفعل، ثم من وراء هذا كله رحمة أرحم الراحمين؛ فإنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وقد جاءت النصوص في أن الله جل وعلا إذا أدخل أهل الجنة الجنة بقي فيها فضل ومساكن ليس فيها أحد، فينشئ الله لها خلقاً جديداً ويسكنهم الجنة، وجاءت النصوص أيضاً في أن الله يخرج أناساً من النار قد احترقوا فليقيهم في نهر من أنهار الجنة، ثم ينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يسكنهم الله جل وعلا الجنة.