قوله:(ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها) يعني: فضل مساكن، (فينشئ الله لها أقواماً) إنشاءً لم يعملوا أعمالاً يستحقون بها دخول الجنة، ينشئهم فيسكنهم فضل الجنة؛ لأن الله جل وعلا أقسم بعزته أنه سيملأ الجنة ويملأ النار، وأن ذلك وعداً عليه، ولسعة الجنة وكثرة مساكنها يبقى فيها فضل عمن يدخلها ولو بعد الشفاعة، وهذا بمشيئته جل وعلا، وأما ما في الصحيح صحيح البخاري من حديث أبي هريرة:(إن الله ينشئ أقواماً فيسكنهم النار، ولا تزال النار تقول:{هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:٣٠] فينشئ الله أقواماً فيسكنهم النار) فهذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -: غلط من الراوي انقلب عليه، والبخاري رحمه الله بين أن هذا غلط بذكر الصواب بعده في حديث أنس، وأن هذا في الجنة وليس في النار، أما النار فإن الله أقسم بعزته أنه سيملؤها من بني آدم ومن ذرية الشيطان {مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}[هود:١١٩] ، فهم الذين يملؤون النار، وقد ورد أنها لا تزال تقول:(هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ، تطلب الزيادة:(فيضع الله جل وعلا فيها رجله - تعالى وتقدس - فينزوي بعضها على بعض -يعني: تتضايق على أهلها- وتقول: (قط قط) يعني: حسبي قد امتلأت، ويكفيني ما ألقي فيّ والله لا يظلم أحداً من خلقه، ولا يسكن النار إلا من جاءته الرسل كما دل على ذلك كتاب الله:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا}[الملك:٨-٩] ، ولهذا فكل من ألقي فيها تسأله الخزنة: هل أتاكم من نذير؟ فيقولون:{بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ}[الملك:٩] ، ثم قال عنهم:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك:١٠] ، فالذي عنده سمع ينفع وعقل يستفيد منه لا يكون من أصحاب جهنم؛ لأن الأدلة والنذر جاءته، وإنما يكون من أهل النار الذين لم يستفيدوا من أسماعهم وأبصارهم والأدلة التي أقامها الله جل وعلا لهم.