في هذا الحديث مسائل: الأولى وهي المقصودة: أن الله جل وعلا موصوف بأنه يفرح، وأن فرحه من صفاته تعالى وتقدس، ولكن فرحه ليس كفرح المخلوق؛ لأن فرح المخلوق يليق بضعفه وبفقره أما فرح الله جل وعلا فهو عن غنى وعن رحمة وإحسان، ثم لا يجوز أن يكون الرب جل وعلا والعبد يماثل أحدهما الآخر في شيء من الصفات، وهذا أصل يجب أن يكون بين أعيننا دائماً، فالله ليس كمثله شيء، لا في صفته ولا في ذاته.
وأصل ثان هو: أن باب الصفات باب واحد، فما قيل في صفة يقال في الصفة الأخرى، لا فرق بين الاستواء والنزول، ولا فرق بين النزول والفرح، ولا بين اليد والعزة، يعني: صفة ذات أو صفة معنى، كلها سواء، فالله يختص بصفاته، والعبد يختص بصفاته وما يليق به.
الثانية: أن فرح الرب جل وعلا بتوبة عبده ليس عن حاجة، فهو غني عن طاعة المطيعين وتوبة التائبين، ولكنها رحمته وفضله وإحسانه، وهذا يدلنا على أنه جل وعلا يكره عذاب العباد، ولكن تعذيبهم إنما هو بأفعالهم وكفرهم ومعاصيهم.
الثالثة: أن هذا يدلنا على فضل التوبة، وأنها محبوبة إلى الله، وكذلك التائب، وأنه تغفر ذنوبه.
الرابعة: أن الإنسان لو أخطأ من شدة فرحه، أو من شدة غضبه أو ما أشبه ذلك، فتكلم -مثلاً- بكلام الكفر لا يكون كافراً ولا يؤاخذ بذلك؛ لأن قوله:(اللهم أنت عبدي، وأنا ربك) بسبب أنه غلب عليه الفرح، وأصبح لا يميز بين الكلام، ولو اعتقده لكان كافراً، لكنه لا يؤاخذ بذلك.
وهذا يدل على أن حكاية الكفر ليست بكفر، فإذا حكى الإنسان قول كافر فلا يكفر بذلك.