للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نفي رؤية الله تعالى في الدنيا]

وقد اتفق العلماء على أن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا، وإنما اختلفوا في مسألة واحدة، وهي: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة أسري به؟ والصواب أنه لم يره، والأحاديث صريحة في هذا، أما ما جاء من الأحاديث بأنه رآه فهي ضعيفة واهية أو موضوعة، وقد جاء صريحاً قوله: (رأيت نوراً) ، وقوله: (نور أنى أراه) ، وذلك حين سئل عن ذلك، فعلى هذا يكون الأمر واضحاً.

أما كليم الرحمن موسى عليه السلام فقد سأل ربه الرؤية في الدنيا، فقال له جل وعلا: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣] ، فنفى ذلك، ثم جعل له مثالاً لهذا، فقال: {ولَكِن انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:١٤٣] ، وإذا اندك الجبل فكيف يثبت الآدمي الضعيف لرؤية الله.

فالرؤية في هذه الدنيا ممكنة في العقل لكنها غير واقعة؛ لأن موسى عليه السلام لا يسأل شيئاً مستحيلاً، لكنه منع لضعف البشر، أما إذا كان يوم القيامة فإنها تتم خلقته وتتم قواه، فيستطيع رؤية الله جل وعلا، ورؤية الله جل وعلا أعلى النعيم، فهي أفضل ما يعطى المؤمن، ولهذا سماها الله زيادة، أي: على ما في الجنة.

والأحاديث في هذا صريحة واضحة.

فأتى بقوله: (بأبصارهم) لئلا يقال: إنها رؤية قلبية.

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ابن صياد: (واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) ، وهذا عام، وفي لفظ: (وتعلموا) ، وهو بمعنى: اعلموا.

فالذي يدعي أنه يرى ربه في الدنيا ضال مبطل، ويوجد من الصوفية أهل الطرق وأهل المجاهدات الباطلة من يزعم أنه يرى ربه، والواقع أنهم يرون شياطين تتمثل لهم، فيقول الشيطان لأحدهم: أنا ربك.

وتكون بين السماء والأرض على كراسي، وأحياناً يرون خيالاً يخيله لهم الشيطان، فالشيطان هو ربهم الذي يرونه؛ لأن هذا تكذيب لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم منه أن يكون هؤلاء أفضل من موسى عليه السلام، وهذا من أبطل الباطل.

وقوله: (كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته) هذا نص أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها جاءت بهذه الألفاظ، وهي ألفاظ واضحة جلية لو تكلف الإنسان البلاغة والفصاحة ليأتي بلفظ أوضح من هذا في إثبات الرؤية ما استطاع، فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح شيء، فإنه قال لهم ذلك لما سألوه مرة، ومرة بدأهم هو صلى الله عليه وسلم بغير سؤال فقال: (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس ضحى ليس دونها سحاب ولا قتر) ، وقال: (إنكم ترونه كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) و (تضامون) جاء بالتخفيف والتشديد، فالأول من الضيم، والثاني من المضامة، والمعنى أن الرؤية واضحة لا يحتاج فيها إلى أن يقرب بعضكم من بعض حتى يساعده على رؤيته كما يكون ذلك في الأشياء الخفية، مثلما يصنع الناس عند رؤية الهلال أول الشهر، فمن كان قوي البصر يراه، ومن كان بصره أقل يأتي إليه حتى يساعده ويعين له المكان الذي هو فيه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (كما ترون) الكاف كاف التشبيه، والتشبيه وقع للرؤية الواضحة الجلية وليس للمرئي تعالى الله وتقدس، والمعنى أن رؤيتكم لربكم تكون كرؤية الشيء الواضح الجلي، فهي مثل الشمس ومثل القمر في أتم ما يكون.

<<  <  ج: ص:  >  >>