وقوله:(ما أخبر الله جل وعلا به في كتابه) الأخبار في كتاب الله جل وعلا في هذا كثيرة، كقوله جل وعلا:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤]{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}[البقرة:٢٩] ، وقوله جل وعلا:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل:٥٠] ، وقوله جل وعلا:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام:١٨] آيات كثيرة جداً في هذا، وقصده الإخبار بعلو الله جل وعلا، وكذلك ما جاء من لوازم ذلك من كون الكتاب نزل من عند الله جل وعلا، ومعلوم أن النزول لا يكون إلا من العلو، وهذا كثير جداً في كتاب الله.
وقوله:(وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم) يعني: أن الأخبار في علو الله جل وعلا وأنه مستوٍ على عرشه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتواتر كما هو معروف نوعان: تواتر لفظي: وهو التتابع في اللغة، بأن يجتمع عليه عدد كثير يستحيل عليهم الكذب أو الخطأ يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن التواتر لابد أن يستند إلى شيء محسوس، إما مشاهد أو مسموع، يسمعونه منه صلى الله عليه وسلم، ثم ينقله عنهم عدد كبير أيضاً، وهكذا إلى أن يصل إلى منتهاه، وهذا قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم متواتراً.
والقسم الثاني: تواتر معنوي: والتواتر في المعنى كثير، فكثير من الأمور التي نقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترة في المعنى، وهذا من الأدلة الضرورية القطعية، إذا وجد فهو دليل قطعي ضروري لا يجوز مخالفته، ولا يعذر الإنسان بمخالفته.
وقوله:(أجمع عليه سلف الأمة) ، السلف: هو الماضي الذي يكون فيه القدوة، وسلف الأمة المقصود بهم الصحابة وأتباعهم، وهم أجمعوا على هذا، ولا يمكن أن يأتي عنهم شيء يخالف ذلك، لو تكلف الإنسان أن يبحث أن واحداً من الصحابة أو من التابعين جاء عنه حرف واحد بأن الله جل وعلا ليس فوق خلقه مستوياً على عرشه ما استطاع إلا أن يكون شيئاً مكذوباً، والكذب معلوم أنه يوجد في طوائف من الناس ممن يكذب لغرض معين، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، حتى إنك تجد الآن كتباً كثيرة كبيرة في مجلدات وكلها مملوءة بالكذب، تسمى: كتب الموضوعات التي جمعها العلماء وبينوا أنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحاديث كثيرة نسبها أناس إليه وهي كذب، ومعلوم أن الكذب على الله جل وعلا وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم الكذب.
قوله:(إنه سبحانه فوق سماواته على عرشه) ، أما في الكتاب فالأمثلة كثيرة، وأما في السنة فهي كذلك يصعب حصرها، بل لا يستطاع؛ لأنها كثيرة جداً؛ لأنها مثلما قال:(متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم) ، ولكن من أظهر ذلك حديث المعراج حينما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء، حتى ارتفع فوق السماء السابعة وانتهى إلى سدرة المنتهى، فكلمه الله بدون واسطة وأمره بخمسين صلاة، أمره بها وأمته، (فنزل إلى السماء السابعة فلقي موسى عليه السلام فسأله ماذا فرض عليك؟ قال: خمسين صلاة، فأشار عليه أن يرجع إلى ربه جل وعلا ويسأله التخفيف، فإن أمته لا تستطيع ذلك، فرجع بعدما استشار جبريل، فسأل التخفيف، فحط عنه عشراً، ثم هبط إلى موسى فأمره بالرجوع) وهكذا صار التردد بين موسى وبين المكان الذي كلمه الله جل وعلا فيه، وهو يخاطبه جل وعلا، إلى أن صارت خمس صلوات، عند ذلك قال له موسى عليه السلام:(ارجع إلى ربك واسأله التخفيف، فإني بلوت بني إسرائيل على أقل من ذلك فلم يستطيعوه، وهم أقوى أجساماً من أمتك، فقال صلى الله عليه وسلم: قد ترددت حتى استحييت من ربي) .
وكذلك منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ربنا الذي في السماء) ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(أين الله؟ -يسأل الجارية- فقالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة) ، في أحاديث كثيرة جداً، صريحة واضحة، لا خفاء فيها.