ثم إن الله جعل لكل شيء سبباً، فالأسباب وما يترتب على الأسباب مخلوق لله جل وعلا ومقدر، ولهذا يقول العلماء: النظر إلى الأسباب والاعتماد عليها شرك؛ لأن الواجب أن يعتمد الإنسان على ربه جل وعلا، ويفعل السبب على أنه سبب وليس هو الذي يؤثر ويوجد بسببه، وكذلك الإعراض عن السبب قدح في العقل، فالذي يترك السبب لا يكون عاقلاً، فلا يمكن أن يوجد عالم بلا تعلم، ولا تاجر بلا عمل ولا تجارة، ولا يوجد ولد بلا نكاح، فالذي يترك الأسباب ويعطلها يكون غير عاقل، والإعراض عن الأسباب أيضاً وتركها نهائياً وعدم النظر إلى أنها تؤثر بقدرة الله ومشيئته قدح في الشرع؛ لأن الله جعل لكل شيء سبباً وأمر بفعل السبب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، ثم احرص على ما ينفعك ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) فقوله: (احرص على ما ينفعك) أمر بفعل الأسباب، والمؤمن الضعيف هو الذي لا يفعل السبب الفعل التام ويكون عنده ضعف وهذا الضعف لا يحبه الله جل وعلا، فالله يحب أن يكون قوياً، ولا يكون قوياً إلا بفعل الأسباب، ولهذا يقول جل وعلا:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[الأنفال:٦٠] والإعداد: هو فعلهم، وإن كان فعلهم مخلوقاً لله جل وعلا، ولكنه باختيارهم.
قال:(ومع ذلك) يعني: مع كونه هو الخالق لكل شيء، وأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته:(فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن معصيته) ومخالفة رسله، وأمره ونهيه لا يخالف قدره ولا يخالف مشيئته كما زعم الكفرة الذين كفروا بالله جل وعلا.
قوله:(وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين) ، المتقي: هو الذي يفعل المأمور ويترك المنهي عنه، هذا هو المتقي، والمحسن: هو الذي يبالغ في ذلك ويعمل غاية جهده في إحسان عمله ابتغاء مرضاة الله جل وعلا، والله يحب ذلك، وهذا من فعلهم حقيقة.