[قدرة العباد الحقيقية على فعل أفعالهم لا تعارض دخولها تحت مشيئة الله]
ثم قال بعد ذلك:(والعباد فاعلون حقيقة) ، يعني: أنهم يفعلون أفعالهم، فإذا آمن الإنسان فهو المؤمن حقيقة، وإذا كفر فهو الكافر حقيقة، وإذا صلى فهو المصلي حقيقة، كما أنه إذا أكل فهو الآكل حقيقة، وإذا شرب فهو الشارب حقيقة، وإذا نام أو جلس فهو أو النائم الجالس حقيقة، وإذا جاء فهو الجائي وإذا ذهب فهو الذاهب حقيقة، فالأفعال تضاف إليه حقيقة، وهذا رد على الجبرية الذين ينكرون أن يكون فعل الإنسان حقيقة.
قوله:(وللعباد قدرة على أعمالهم) وهذه القدرة ظاهرة؛ لأنه لو لم يكن له قدرة ما وقع منه الفعل، (ولهم إرادة) وبالإرادة مع وجود القدرة تحصل أعمالهم، وهذا جواب عن قول الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأفعال واقعة في فعلهم حقيقة، كما قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير:٢٨-٢٩] ، (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) فجعل الاستقامة موكولة إلى مشيئتهم، ثم نفى أن تقع مشيئتهم خارجة عن مشيئته، وهذا ليس فيه تناقض؛ لأن مشيئتهم مضافة إليهم مخلوقة لهم، والله خلقهم وخلق مشيئتهم، فهي لا يمكن أن توجد بلا خلقه وبلا مشيئته، ولكنها إذا وجدت فهم يفعلون بها حقيقة، وفعلهم الذي يقع منهم يقع بمشيئتهم وبإرادتهم حقيقة، والآية ظاهرة في هذا.