تقدم ذكر الآيات الدالة على الرؤية، وأما الأحاديث فسيأتي ذكر بعضها عندما يذكر المؤلف الصفات من السنة؛ لأنه أراد أن يبين أن أصل المسلم الذي يجب أن يرجع إليه هو كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا غير، أما ما يدعى من أن الأمور الاعتقادية لا يجوز الاعتماد فيها إلا على الأمور اليقينية القطعية، ثم يجعلون ما دلت عليه آراءهم وأنظارهم وأفكارهم القاصرة أموراً يقينية قطعية، وما دلت عليه النصوص أموراً ظنية! فالواقع أن الأمر عندهم معكوس تماماً، فإذا عكست القضية كانت هي الصواب كما هو مذهب أهل الحق.
وأما نصوص السنة الدالة على إثبات الرؤية فكثيرة جداً، ومنها: حديث جرير البجلي رضي الله عنه -وهو ثابت ثبوتاً يكاد أن يكون متواتراً- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، ليس بينكم وبينه حجاب) ، ولو تكلف إنسان مهما أوتي من البلاغة والفصاحة أن يبين الرؤية التي يرى بها المؤمنون ربهم بأكثر مما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع، فهي في غاية البيان، ومن خالف ما دل عليه هذا الحديث ونحوه فليس له عذر يعذر به، ويخشى عليه أن يحجب يوم القيامة؛ لأنه أنكر أمراً متواتراً وهو رؤية الله جل وعلا.
والأحاديث في هذا كثيرة جداً ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله، أما الآيات القرآنية فذكر المؤلف بعضاً منها، وترك كثيراً مما يدل على الرؤية، وهي كثيرة جداً في كتاب الله، وليست محصورة في أربع آيات أو خمس بل قد يعسر على الإنسان استقصاؤها من كتاب الله جل وعلا، ولكن العلماء ذكروها إجمالاً، فكل آية فيها ذكر اللقاء فإنها تتضمن الرؤية كقوله جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:٦] ، فملاقيه: تتضمن رؤية الله جل وعلا، ولكن هذه رؤية مجملة، وليست كالرؤية التي ذكرت في الآيات السابقة، وكذلك ما جاء في حديث عدي عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(ما منكم من أحد إلا سيكلمه ليس بينه وبينه ترجمان) ، ولكن هذا اللقاء يحتمل أنه للنعيم، ويتضمن الجزاء والثواب ويحتمل أنه للمحاسبة؛ فقد يجازى الإنسان بعده بالعقاب، وقد يجازى بالثواب وأما الآيات التي نص عليها المؤلف فهي صريحة وواضحة لا إشكال فيها على أن الرؤية من أعلى نعيم أهل الجنة وهذا واضح وبين في كتاب الله وسنة رسوله، ومع ذلك فإن أهل البدع يخالفون في هذا.