ثم ننتقل إلى الدرجة الثانية: وهي المشيئة العامة، وهي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يعني: أن مشيئته عامة شاملة فلا يقع شيء بغير مشيئته سواء كان من الخير أو من الشر، أو كان من الطاعات أو من المعاصي من الإيمان أو من الكفر، فكل شيء يقع بمشيئة الله جل وعلا فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويجب أن يعلم: أن كل شيء ملك لله جل وعلا وأنه لا يخرج من ملكه شيء، وأنه خلق الخلق بإرادته ومشيئته وهم عبيد له، ولكن الله جل وعلا جعل لبعضهم عقولاً وإدراكاً وكلفهم، وبعضهم جعلهم مسخرين للعقلاء أو خلقهم لعبادته، وسبق بيان الفرق بين المشيئة وبين الإرادة وأن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة دينية أمرية شرعية، تتضمن أمر الله وشرعه كقوله جل وعلا لما فرض الصيام ثم خفف عن عباده المرضى والمسافرين:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}[البقرة:١٨٥] فإرادة اليسر وعدم إرادة العسر أمر شرعي.
وإرادة كونية قدرية:{فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام:١٢٥] فهذه إرادة كونية، وهذه الإرادة الكونية تتفق مع المشيئة، والمشيئة لا تنقسم، بل هي واحدة، وهي مشيئة عامة لا يخرج عنها شيء، والإرادة الكونية تتفق معها وهي مرادفة لها، فمشيئته جل وعلا عامة كقدرته، فلا يمكن أن يوجد شيء لا يشاؤه الله، ولا يعدم شيء يشاؤه الله.
فمشيئته جل وعلا تتعلق بالموجودات وبالمعدومات يعني: بالشيء الموجود والشيء الذي لا يوجد إذ لو أراد وجود المعدوم لوجد، ولكنه لم يرد ذلك فصار معدوماً، وهذه ردها القدرية ولم يؤمنوا بعمومها فقالوا: إن الكافر هو الذي يشاء الكفر، والمؤمن هو الذي يشاء الإيمان، والله لا يشاء الكفر؛ لأن الله حكم عدل، ولو شاء الكفر للكافر للزم من ذلك أنه يعذبه على شيء هو من فعل الله، هذه الشبهة التي عرضت لهم فلم يقبلوا عموم المشيئة، ويأتي الجواب عن هذا إن شاء الله.