التأويل الذي يذكره العلماء أقسام ثلاثة: الأول: تأويل بمعنى: ما يئول إليه الشيء، كقوله تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف:٥٣] ، فتأويل الشيء في هذا المعنى حقيقة الشيء المخبر عنه، إذا جاءت الحقيقة فهذا التأويل، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى في قصة يوسف:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً}[يوسف:١٠٠] ، ورؤياه أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فلما سجد إخوته الإحدى عشر وأبوه وأمه صار هذا تأويلها، يعني: هذا حقيقة الرؤيا، والسجود هنا معناه: الانحناء، وقد كان في شرعهم جائزاً، أما في شرعنا فهذا محرم، بل من أعظم المحرمات وأكبرها، فالسجود خاص لله جل وعلا؛ لأن شرعنا جاء بالحنيفية الكاملة، بحيث تكون العبادة كلها لله جلا وعلا، ولا يكون منها شيء لغيره، بخلاف الشرع الذي هو أمر ونهي من ناحية التعبد بالأفعال، فإن للإسلام في هذا سعة، وفيه تساهل أكثر من الشرائع السابقة.
الثاني من معاني التأويل: التفسير، فالتفسير يسمى تأويل كما يقول الإمام ابن جرير وغيره: القول في تأويل قوله تعالى أي: في تفسير قوله تعالى، ومنه قوله تعالى:{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:٥٩] يعني: تفسيراً، وهذان المعنيان في التأويل متفق عليهما، وهما المعروفان عند السلف.
أما المعنى الثالث: فهو المعنى المبتدع الذي حدث بعد السلف، وهو صرف اللفظ عن معناه المتبادر منه إلى معنى آخر بدليل يقترن به، فهذا هو المشهور عند المتأخرين، وهو الذي يقصدونه إذا قالوا: تأويل، فإن كان الدليل شرعياً فإنه صحيح، وإن كان غير شرعي فإنه غير صحيح، وهذا هو الغالب، فإنهم يقولون: الدليل يكون عقلياً أو يكون وضعياً، يعني: حسب ما يتواطأ عليه الناس ويعرفونه، فهذا يكون تحريفاً؛ ولهذا قالوا: الاستواء هو الاستيلاء، وهذا تأويله بالدليل العقلي، وإذا قيل لهم: ما هو الدليل العقلي؟ يقولون: الدليل العقلي: أن العرش مخلوق فهو مكانه، والاستواء فعل يقتضي الحركة، ويقتضي وجود الجهة، وهذا لا يكون إلا للمخلوق، هكذا يقولون، وهذا هو الدليل عندهم، وهو دليل فاسد باطل؛ لأنه خلاف ما أخبر الله جل وعلا به، والسبب الذي بعثهم على هذا القول هو: أنهم ما عرفوا من معنى الاستواء إلا ما عرفوه من أنفسهم، مثل الذي يستوي على السيارة أو على الباخرة أو على الطائرة، فيكون محتاجاً إلى هذا الذي استوى عليه، ولو سقط هذا الشيء لسقط هو، ويكون محصوراً في مكان معين، ويكون محتاجاً إليه، وهذه كلها تتعلق بالمخلوق فقط، أما الخالق جل وعلا فهو الغني بذاته عن كل ما سواه، والعرش محتاج إليه، وليس الله جل وعلا محتاجاً إلى العرش، أما كونه خلق العرش واستوى عليه، فهذا لمعنىً وحكمة أرادها الله جل وعلا بلا حاجة، وربما يكون منها ابتلاء عباده، لينظر من يؤمن بذلك، وينقاد له، ويعرف مراده، ويسلم له، ومن يأبى هذا، وينكره، فيستحق الأول الثواب، والثاني العقاب.