بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحابته، ومن سار على نهجه ودعا بدعوته.
وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) متفق عليه] .
هذا الحديث جاء عن عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعض العلماء: إنه بلغ حد التواتر، أما الاستفاضة فلا إشكال في أنه مستفيض عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول يحيى بن معين:(عندي سبعة عشر حديثاً في الرؤية كلها صحيحة) وقد بلغت أكثر من ذلك، وقد ألف العلماء في هذه المسألة مؤلفات خاصة، مثل: الدارقطني والآجري وغيرهما، وهذه المؤلفات معروفة عند طلبة العلم؛ وذلك لأن هذه المسألة كبيرة جداً، وأهل السنة يتميزون بإثباتها خلافاً لأهل البدع.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون ربكم) فيه تأكيدات بليغة؛ فأكد بـ (إن) ثم بـ (السين) التي تدل على التأكيد أيضاً ثم بالفعل، وكل هذه تأكيدات بليغة، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لو أن إنساناً تكلف أن يأتي ببيان أكثر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما استطاع أن يأتي بكلام فيه إثبات الرؤية بأكثر من هذا البيان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أُعطي البلاغة والفصاحة، كما أنه أعرف الخلق بالله جل وعلا بما يجب له وما يستحيل عليه، وقد وكل الله جلا وعلا إليه بيان الإيمان للناس، وبيان ما نزل إليهم، وهناك أمور كثيرة تدل على وجوب اعتقاد أن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم حق يجب أن يؤخذ به، ومن المعلوم أن أهل السنة لا يترددون في هذا، بل غاية مقصودهم أن أحدهم يسأل أن يمكنه ربه جل وعلا من رؤية وجهه الكريم يوم القيامة، والغريب أن طوائف من المبتدعة ينكرون أفضل ما يجزي به رب العباد عباده، وأفضل ما ينعم به عليهم، وهذا بناء منهم على بدعهم الضالة، وأما أهل السنة والجماعة فيثبتون الصفات بحسب النصوص، وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة متواترة على إثبات الرؤية كما تقدم في الآيات، والنظر إلى الله جل وعلا ثابت في عرصات القيامة في المواقف؛ فإن الله جل وعلا يراه عباده المؤمنون، وكذلك يرونه إذا دخلوا الجنة، وهذا هو الذي يكون نعيماً، كما أن الأول أيضاً من النعيم والكرامة، ومقابل النعيم العذاب، فإن الكفار يحجبون عن رؤية الله جل وعلا تعذيباً لهم.