القاعدة الثانية: أن الله على كل شيء قدير، فأي شيء أراد فعله لا يحول بينه وبين ذلك شيء؛ ولهذا لما قال أحد النفاة لـ إسحاق بن راهويه: أتقول: إن الله ينزل؟ قال: نعم، فقال: إذا نزل فهل يخلو منه العرش أو لا يخلو؟! قال: أتقول: إن الله على كل شيء قدير؟ قال: نعم، قال: إذاً: نزوله على ما يشاء حسب قدرته، وليس كما تتصور، وفي رواية أنه لما قال له: كيف تثبت ذلك؟ قال: يقول الله جل وعلا: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢] ، فقال له أحد الحاضرين: هذا يوم القيامة، فقال: الذي يأتي يوم القيامة ما الذي يمنعه أن يأتي إذا شاء، والمقصود تقعيد هذه القاعدة: أنه على كل شيء قدير.
إذاً: القادعة الأولى: أن أفعاله وصفاته ليست كأفعال الناس، وليست كصفات الناس.
القاعدة الثانية: أنه على كل شيء قدير.
فعلى هذا؛ فالإشكال الذي يورد على بعض الصفات إذا لم تستطع أن تستوعبه بعقلك، فعليك أن تستحضر عظمة الله جل وعلا، وقد قال الله جل وعلا:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:٦٧] فإذا كانت الأرض والمخلوقات كلها يطويها بيده تعالى وتقدس، فكيف يتصور أن شيئاً من المخلوقات تظله أو تقله؟! فالصواب في هذا أن نزوله يليق به، وأنه ينزل وهو على عرشه بائن من خلقه، وأن نزوله يكون آخر الليل لكل قوم، وهو وإن تعدد بالنسبة لهم فهو غير متعدد بالنسبة لله جل وعلا، فنزوله كسماعه دعاء الداعين في آن واحد، لا يختلط عليه دعاء هذا بدعاء هذا، ولا يشغله دعاء هذا عن دعاء هذا، وكذلك محاسبته لخلقه يوم القيامة في آن واحد، وكل رجل يناقشه ويحاسبه على كثرتهم، من أولهم إلى آخرهم، ويرى الإنسان أنه هو وحده الذي يحاسب، والخلق كلهم يحاسبون في وقت واحد، فصفاته لا تشبه صفات الخلق، وأفعاله لا تشبه أفعال الخلق، فعلى هذا كل إيراد يورد على ذلك باطل، ولا يلتفت إليه، ونكتفي بهذا عما عساه أن يثار من إشكالات أو تساؤلات حول ذلك؛ لأن هذه القاعدة يرجع إليها في كل ما قد يثيره بعض الذين لم يثبتوا صفات الله جل وعلا على ما يليق به.