[مكانة أهل البيت عند أهل السنة والجماعة]
قوله: (ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي)) .
أهل بيته هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم آل عقيل، وآل العباس، وآل علي، وآل الحارث بن عبد المطلب، وكذلك أزواجه صلوات الله وسلامه عليه من أهل بيته، وكذلك بناته، وذريتهم إلى يوم القيامة.
وأهل السنة يحبونهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحفظون فيهم وصيته، ويتولون المؤمنين منهم، أما الكافرون فليسوا له بأولياء كما نص هو صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال: (إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله جل وعلا والمؤمنون) أي: الذين يتبعون سنته ويقتفون أثره، وآل فلان الذين ذكرهم هم من أقاربه صلوات الله وسلامه عليه.
ومعلوم أن الله جل وعلا أوجب الإيمان على كل عبد، وإذا لم يؤمن فليس بينه وبين الله صلة، حتى ولو كان ابن نبي، فإذا كان كافراً فهو من أهل النار، والله جل وعلا يقول لنوح عليه السلام في ولده: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦] فولده الذي هو من صلبه ليس من أهله، وأخبر جل وعلا أن امرأة نوح وامرأة لوط في النار، وأن نوحاً ولوطاً لم يغنيا عنهما من الله شيئاً، فالصلة التي بين العباد وبين الله جل وعلا هي الإيمان، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأهل بيته الذين يُتولون هم المؤمنون الذين آمنوا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يُحبوا بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يجب أن يُعرف قرابتهم، ويُعرف لهم قدرهم، وتحفظ فيهم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ويميزوا عن الناس بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحب والتولي، كذلك أزواجه صلى الله عليه وسلم، ويدل على هذا الحديث الذي ذكره هنا، وهذا الحديث ثابت في صحيح مسلم، وغديرخم: موضع قرب الجحفة، وخم: غيضة أشجار مجتمعة أضيف الغدير إليها، والغدير: هو الماء الذي يتجمع في منخفض في الوادي من السيل، وهذا القول كان بعد رجوعه من حجة الوداع، وكان في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فإنه خطب الصحابة رضوان الله عليهم، وقال لهم: (إنه يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله -فحث على كتاب الله وأمر بالالتزام به- ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي) ، يعني: أنه أوصى بأن يُحفظ لهم حقهم.
وفي رواية ثبتت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في هذا اليوم: (إن عبداً خيره الله جل وعلا بين ما عنده وبين أن يعطيه من الدنيا ما يريد فاختار ما عند الله) فبكى أبو بكر، فعجب الصحابة لبكائه وقالوا: ما لهذا الشيخ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله جل وعلا بين ما عنده أو أن يعطيه من الدنيا ما يريد فاختار ما عنده فصار يبكي، يقول: فتبين أن العبد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبين أن أبا بكر هو أعلم الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يخبر عن قرب أجله، وهذا معنى قوله: (يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب) يعني: ملك الموت الذي يقبض الروح، ثم بقي بعد ذلك قرابة ثلاثة أشهر وتوفاه الله جل وعلا.
قوله: (وقال للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم) ، والجفاء هو: إظهار الخشونة وعدم التلطف، وعدم إظهار المحبة والمودة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (والله! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ، أي: لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعم الرجل هو صنو أبيه، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول له: (والله! لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ وذلك أن إسلامك أحب إلى رسول صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب) يعني: والده.
فمحبتهم من الإيمان، لأنها من محبة ما يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الله جل وعلا اصطفى بني هاشم من قريش، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والاصطفاء هو: الاختيار، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ، فهو صفوة بعد صفوة بعد صفوة، ولكن أهل بيته وقرابته لهم حق القرابة، وحق المحبة، وحق التولي زيادة على تولي المسلمين لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.