ذكر السلف لمعنى الاستواء ألفاظاً أربعة كلها مترادفة، فقالوا هو: الارتفاع والعلو والصعود والاستقرار، فهذه الألفاظ الأربعة جاءت مروية بأسانيد عن الصحابة وغيرهم، وكلها بمعنىً واحد، وهو الاستواء.
ثم إذا نظرنا إلى الاستواء الذي ورد في كتاب الله وفي أحاديث رسوله، نجدها لا تعدو أربعة أمور: الأول: ما كان متعدياً بإلى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[البقرة:٢٩] ، وهذا باتفاق أهل اللغة وأهل التفسير معناه: العلو والارتفاع.
الثاني: ما جاء متعدياً بعلى كما في هذه الآيات التي ذكرها المؤلف كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤] ، وهذا كذلك معناه العلو والارتفاع.
الثالث: ما جاء مقترناً بواو المعية، نحو: استوى الماء والخشبة، وهذا معناه المساواة.
الرابع: إذا لم يأت متعدياً بشيء، وإنما تعدى بنفسه كقوله:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}[القصص:١٤] ، وهذا باتفاق المفسرين معناه: كمل وتم، وليس هناك معنىً للاستواء.
أما الاستيلاء الذي قالوا: إنه هو المقصود، فهو دخيل على اللغة العربية، ولا يوجد من كلام العرب ما يدل عليه، والبيت الذي يذكرونه ويجعلونه دليلاً وينسبونه إلى الأخطل مصنوع، وإذا قدر أنه صحيح للأخطل فـ الأخطل نصراني، قد ضلت النصارى في دينهم وفي ربهم، وقالوا: إن اللاهوت دخل في الناسوت، ثم كيف يسوغ للمسلم أن يترك النصوص التي جاءت في كتاب الله وفي أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ويأخذ ببيت شاعر نصراني ضال، وهو أيضاً ليس من أهل اللغة؟! ولو جاء الإنسان بآية من كتاب الله لهؤلاء أو بحديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقفوا في الاستدلال به، وطعنوا فيه إما معنىً وإما لفظاً، ومع هذا يقبلون هذا القول! وذلك للهوى، فمن كان عنده هوى فإنه يقبل ما يوافقه وإن كان باطلاً.
ثم إن الاستواء من أدلة علو الله جل وعلا، وقد ذكر العلو بعد هذا.