ثم بعد هذا يقول:(وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب) ، وهذا من الأمور التي لا تنافي العلو أيضاً، فكونه قريباً مجيباً لا ينافي أنه فوق عرشه عال على جميع مخلوقاته، وقربه من صفاته، وهو قرب حقيقي على ظاهره يليق بعظمته تعالى وتقدس، وقد جمع بين القرب والإجابة في قوله جل وعلا:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) وقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن بعض الصحابة قال: (يا رسول الله! أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فأنزل الله جل وعلا هذه الآية: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي){فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦] ) فالقرب جاء ذكره في كتاب الله ولكنه جاء بصيغتين: بصيغة الجمع، وبصيغة الإفراد، أما صيغة الجمع: فكقوله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦] وكقوله جل وعلا: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:٨٥] في حالة المحتضر.
وأما صيغة الإفراد: فمثل هذه الآية ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وكثير من النصوص جاءت بصيغة الإفراد.