قال رحمه الله تعالى:(يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله سبحانه وتعالى) .
عرصة الدار: هي المتسع الذي يكون في الدار.
وعرصة البلد: الفناء الذي يكون فيه.
والمقصود بعرصات القيامة بعض المواقف، والقيامة لها مواقف يكون فيها مخاطبة ومحاسبة ووزن، فالله جل وعلا يراه المؤمنون في هذه العرصات.
أما الكافرون فهم محجوبون عنه لا يرونه، ولكن ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن الله جل وعلا إذا جاء للفصل بين عباده وهم وقوف يخاطبهم خطاباً عاماً، فيقول جل وعلا:(أليس عدلاً مني أن أولي كل واحد منكم ما كان يتولاه في الدنيا؟ فيجيبون بـ (بلى) عند ذلك يؤتى بالمعبودات التي يعبدها الناس، فيقال: انظروا إلى معبوداتكم فتولوها واتبعوها) ، فمن كان يعبد أصناماً جاءت الأصنام، وكذلك من كان يعبد شجراً أو حجراً أو أي شيء من المعبودات، حتى الذين يعبدون الأنبياء يؤتى بشياطين على الصورة التي كانوا يتخيلون، فيقال: هذه معبوداتكم فاتبعوها.
فيذهب كل من كان يعبد غير الله، فيبقى المؤمنون من هذه الأمة وفيهم المنافقون، فيأتيهم الله جل وعلا ويظهر لهم فيرونه، فيقول: ماذا تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا رباً ننتظره، وقد تركنا الناس أحوج ما كنا إليهم -أي: في الدنيا- فيقول لهم جل وعلا: أنا ربكم -وقد تنكر لهم- فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا.
فيقول: هل بينكم وبينه آية -أو قال: علامة-؟ فيقولون: نعم.
الساق.
فيكشف عن ساقه جل وعلا فيخر له كل مؤمن ساجداً ويبقى المنافق ظهره طبقة واحدة إذا أراد أن يسجد سقط على قفاه، فهذا معنى قول الله جل وعلا:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}[القلم:٤٢-٤٣] .
وأما في الجنة فرؤية المؤمنين لربهم تختلف على اختلاف منازلهم، فمنهم من يرى ربه في اليوم مرتين، وليس في الجنة ليل أو نهار، ولكنهم يعرفون الأيام بعلامات يجعلها الله جل وعلا لهم، ولهذا جاء في حديث جرير:(إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس بينكم وبينه حجاب، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يقول العلماء: الإشارة هنا إلى صلاة العصر وصلاة الفجر، وأن المحافظة على هاتين الصلاتين في الجماعة يكون جزاؤها الرؤية، وأنها تكون في أول النهار وفي آخر النهار، فبعضهم يراه جل وعلا في اليوم مرتين، وبعضهم لا يراه إلا يوم الجمعة فقط كما جاء في حديث أبي هريرة، وبعضهم يكون أقل من هذا أو أكثر على حسب درجاتهم.
وقوله:(كما يشاء) يعني أن الكيفية غير معلومة، وإنما يجب أن يعلم أنهم يرون وجهه.