ومعلوم أن سبب ضلالهم أنهم قاسوا على أنفسهم، فهم أولاً نظروا إلى أنفسهم، ثم استدلوا بأنفسهم على وجود الله، فقالوا: إن الموجودات لا تخرج عن كونها أعراض وجواهر.
فالجوهر: هو الشيء الذي يقوم بنفسه أو الشيء الذي يشغل مكاناً أو يرى ويلمس ويحس ويشاهد هذا قسم.
القسم الثاني: العرَض، والعرض هو اللون أو الصفة أو الكلام وما أشبه ذلك، والعرض لا يقوم إلا بغيره، فلا يمكن أن تجد كلاماً بدون متكلم، ولا علماً بلا عالم، ولا جهلاً بلا جاهل يقوم به، ولا لوناً من غير من يقوم به اللون وهكذا، فالأمور -عندهم- لا تخلوا عن هذه الأشياء، فهذا في كل المشاهدات وفي كل المخلوقات، ثم لما ذهبوا إلى الله جل وعلا والنظر فيه فقالوا: لا يجوز أن يكون مماثلاً للمخلوقات فلا يجوز أن يكون جوهراً ولا عرضاً فصاروا ينفون الصفات على هذا الأساس على أساس التشبيه أولاً ثم التعطيل ثانياً، ومعلوم أن هذا رأي وأفكار لا تجدي من الحق شيئاً، وإنما يجب إن يرجع إلى الوحي الذي أنزله الله جل وعلا واصفاً به نفسه، وكذلك أنزله على رسله يخبر ويعرف عباد الله بالله جل وعلا.
ثم قوله:(منه بدأ وإليه يعود) معناه: أنه ظهر من الله يعني: قاله قولاً حقيقياً سمعه جبريل عليه السلام وجاء به وألقاه على محمد صلى الله عليه وسلم وسمعه منه، ثم الصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأمة تلقته بعضها عن بعض.