قال:(وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم) .
قوله: أن كل واحد منهم معصوم يعني: أن جميعهم معصومون أن يخطئوا أو يبدلوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو يغيروه، ولكن العصمة ليست لكل واحد، وإنما هي بمجموعهم، وإلا فيجوز على أحدهم أن يقع في الذنوب من الكبائر والصغائر، ولكن يوفقه الله جل وعلا للتوبة.
وقد علمت حالة الصحابة رضوان الله عليهم، فأهل السنة يؤمنون بقول الله جل وعلا:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:٣٢] ، فأفضل المصطفين الذين أورثوا الكتاب هم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر مقطوع به بلا تردد ولا شك، وإذا علم أن الناس كلهم محل للخطايا وللذنوب، وأنه ليس أحد من الناس معصوماً من ذنب سواء كان صغيراً أو كبيراً؛ فالصحابة كذلك، ولكن لم يقع منهم ما يعتقده الضلال من الكفر والانحراف والردة والبهت والكذب والجحود والكتمان وغير ذلك مما يدعيه أهل الافتراء الذين يفترون على الله، ولا يصدقون كتاب الله، ولا يؤمنون به؛ لأن الله جل وعلا أثنى عليهم في آيات كثيرة، والله جل وعلا علام الغيوب لا يخفى عليه شيء، ومن المستحيل الممتنع أن يثني الله جل وعلا على قوم يعلم أنهم سوف يرتدون ويكفرون، هذا لا يجوز أن يكون، فثناء الله جل وعلا عليهم دليل على ثبوتهم على الحق إلى أن يلقوه.
أما العصمة فهي للأنبياء فقط، وأهل السنة متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغون عن الله، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: واختلف أهل السنة هل يجوز أن يلقي الشيطان في شيء مما يبلغونه عن الله ثم ينسخ الله جل وعلا ما يلقيه الشيطان ويحكم آياته؛ ليكون في ذلك فتنة لمن في قلبه مرض ولمن قلبه قاس؟ يقول: والصواب وقوع ذلك لدلالة القرآن على هذا، ولكن في النهاية ينسخ هذا، ويحكم الله جل وعلا آياته.
فالنتيجة أن العصمة ثابتة لهم فيما يبلغونه، أما في أنفسهم فيجوز أن يقع منهم بعض الذنوب الصغيرة، ولكن الله لا يقرهم عليها، بل يتوبون، وتكون حالتهم بعد الذنب أحسن منها قبله.