ثم بعد هذه نقول: إن العلماء قد نهوا عن التوغل والتعمق في مسألة القدر فقالوا: إن القدر سر الله في خلقه فلا ينبغي للإنسان أن يقع فيه، فهل معنى هذا: أننا لا نبحث في هذه المسائل حتى نعلمها ونوقن بها؟ ف
الجواب
ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود أسرار الأشياء من الأوامر وغيرها، كأن يبحث الإنسان عن أمور لا يدرك الحكمة منها ولا غايتها ولا المصلحة من خلقها، كأن يقول مثلاً: لماذا خلقت الحيات والعقارب والذباب، وما أشبه ذلك من الأمور التي لا خير فيها وإنما فيها مضرة؟ ففي مثل هذه عليك أن تقول: إن الله عليم بكل شيء، وإن الله لا يخلق إلا لحكمة قد يدركها الإنسان وقد لا يدركها وهو الغالب، فعليك بالتسليم، والله جل وعلا جعل العقل في الإنسان حتى يذعن ويعبد ربه حقيقة، وإذا لم يقر لله جل وعلا بالإذعان وينقاد فالعبادة لم تكمل، ومن ذلك كذلك الأمور التي قد يؤمر بها الإنسان فلا يجوز له أن يبحث عن الأسرار فيها، مثل أن يقول: لماذا إذا أردنا أن نصلي نغسل وجوهنا وأيدينا وأرجلنا ونمسح برءوسنا، ما المقصود بهذا وما السر وما الحكمة؟! نقول: هذا أمر الله وعليك أن تنقاد له وتذعن ولا تبحث عن السبب والحكمة، وكذلك إذا قال القائل: لماذا أمرنا بقصد مكة والطواف بالبيت؟! وكذلك لماذا أمرنا برمي الجمار؟ وما الفائدة من أن يتزاحم الناس على هذه الجمار ويقتل بعضهم بعضاً ويتأذون ويتكوم الحصى في هذا المكان؟ نقول: يجب عليك أن تذعن لذلك وتنقاد، ولا تبحث عن السبب والحكمة.
ولهذا يقول العلماء: إن أمور العبادة تبعدية، فما معنى تعبدي؟ معناه: أنه يجب أن تخضع له وتعبد ربك بالانقياد في ذلك ولا تبحث عن الأسرار في هذا، وهكذا الأمور التي تخفى على الخلق، ولكن الذي أمر الله جل وعلا به ونهى عنه أمر واضح فيجب أن يجتنب النهي وأن يطاع الأمر، ثم ليس بين مشيئته جل وعلا وخلقه وأمره مناقضة.