فقال جل وعلا:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤] ، فأخبر أنه مستو على العرش عالٍ على جميع الخلق، وهو معنا أينما كنا، وهذه المعية جاء ذكرها كثيراً في كتاب الله، ولكنها جاءت على قسمين: معية عامة: كهذه (وهو معكم) ، وكقوله جل وعلا:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:٧] ، فهذه عامة شاملة للخلق كلهم، وليس معناها كما يتصوره الذين فسدت فطرهم وفسدت لغتهم، وانحرفت عقائدهم، وساءت مقاصدهم، ليس معناها كما يتصورون: أنها تقتضي الاختلاط والامتزاج والحلول، تعالى الله وتقدس، فإن هذا لا يجوز أن يظن.
ولكن المعية معناها كما جاء في اللغة العربية: المصاحبة المناسبة؛ لما تضاف إليه، فالمعية تكون للمصاحب، كما قال الله جل وعلا:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح:٢٩] ، أي: تبعوه وصاروا معه على الإيمان، وليسوا معه مداخلين لجسده، حالين فيه، وكقول الرجل مثلاً: معي متاعي، وقد يكون متاعه فوق رأسه حاملاً له، وقد يكون متاعه ليس معه، أعني ملاصقاً لجسده، بل هو مهيمن عليه ومسيطر عليه، وكذلك يقول: معي مالي، ويقول: معي زوجتي، وإن كانت زوجته في بلد وهو في بلد.
فالمعية تختلف باختلاف ما أضيفت إليه في لغة العرب، ولهذا جاء في كلام العرب: سرنا والقمر معنا، مع أن القمر فوقهم في السماء وهم في الأرض، ومع ذلك يكون الكلام صحيحاً، فتكون المعية التي تضاف إلى الله أعلى وأجل وأعظم من المعية التي تكون للمخلوقات، وهذا يبين لنا أن المعية ليس معناها الاختلاط والامتزاج.