للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام ينسب إلى قائله الذي أنشأه ولا يجوز أن ينسب إلى من بلغه]

الأمر الثالث: أن الكلام يضاف إلى من قاله مبتدئاً منشئاً لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً، وأما قول الله جل وعلا: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة:٤١-٤٢] .

وكذله قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:١٩-٢١] .

فهي نسبة بلاغ، ومن المعلوم أن الرسول يبلغ ما أرسل به؛ ولهذا يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة:٦٧] ، فلو كان القرآن من كلام الرسول فلا يصح أن يسمى الرسول مبلغاً، بل هو منشئ ومبتدئ؛ لأنه تكلم بكلامه هو لا بكلام غيره، فهذه الآية تدل على بطلان قولهم.

ثم إن النسبة قد اختلفت، ففي الآية الأولى نسبه إلى الرسول البشري فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:٤٠-٤١] ، فالمراد بالرسول هنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن المعلوم أن هذا القرآن ليس من قوله وإنما هو قول الله جل وعلا، وفي الآية الثانية قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:١٩-٢٠] فنسبه هنا إلى الرسول الملكي الذي هو جبريل عليه السلام، فلو كان قول واحد منهما ما صح أن ينسب إلى الثاني، فدل ذلك على أن نسبته إلى الرسولين البشري والملكي إنما هي نسبة بلاغ، فالرسول الملكي بلغه إلى الرسول البشري، والرسول البشري بلغه إلى أمته ويوضح هذا: أن الله جل وعلا حكم على الذي قال: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥] أنه سيصليه سقر، فلو كانت نسبته إلى الرسول صحيحة لكان قول هذا المشرك حقاً، ولكن لما قال الله جل وعلا {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦] دل على أن هذا القول كفر، وأن نسبته إلى البشر كفر.

قال الله بعد هذه الآية: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة:٤٠-٤٢] ثم قال بعد ذلك: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:٤٣] ثم قال بعده: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤-٤٦] ، فدل هذا على أنه قول رب العالمين، وأن نسبته إلى الرسول نسبة إبلاغ وبيان لمن أمر أن يبلغه، فبطل بذلك تعلق أهل البدع بهذه الآية، وأن تعلقهم بها مجرد شبهة وتغبير في وجه الحق ولكن الحق واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>