تقدم أن هذه العقيدة كتبها الشيخ رحمه الله حينما جاءه رجل من أهل واسط، وطلب منه أن يكتب له عقيدة، فاعتل واعتذر بأن العقائد كثيرة، وقال له: اذهب إلى عقائد الأئمة، خذ أيّ عقيدة اقرأها واتخذها لك طريقاً ومسلكاً، فقال: لا أطمئن إلا بشيء تكتبه لي، فألح عليه، فكتبها وهو يريد أن يذهب إلى المسجد، يعني: بين الظهر والعصر، وكتبها من حفظه، ورتب هذا الترتيب، وذكر هذه النصوص المختصرة من حفظه، ثم بعد ذلك ترتب عليها مناظرات ومناقشات، وعقد له عدة اجتماعات مع كبار العلماء يناقشونه فيها، وفي كل مناظرة ومناقشة ينصره الله جل وعلا؛ لأن الحق معه، وفي النهاية أقروا له بأن هذا اعتقاد سلفي جيد، وإن كان في نفوسهم شيء منه.
ثم نسبت الواسطية إلى هذا الرجل؛ لأنه من أهل واسط، وهكذا بقية كتب الشيخ رحمه الله كلها أجوبة لأسئلة، ولا يوجد له كتاب واحد كتبه كما يكتبه غيره من الناس، بأن يكتب كتاباً من عند نفسه، وربما يهديه إلى الملك أو الكبير أو ما أشبه ذلك؛ لأن حياة هذا الإمام رحمه الله كلها جهاد.
وهو يكتب في الشيء الذي يطلب منه، أو يلح الأمر الذي وقع فيه عليه ككتاب الصارم المسلول.
فإن سبب كتابته: أن رجلاً من النصارى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله -حاول قتله- ثم بعد ذلك كتب هذا الكتاب، وقال: هذا أقل ما يجب أن يقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى كتبه الكبار تكون أجوبة لأسئلة، كمنهاج السنة الذي يقع في أربعة مجلدات، وقد طبع الآن في تسعة مجلدات، وهو جواب لسؤال، وبعدما سئل عن ذلك اعتل واعتذر، وقال: هؤلاء باطلهم ظاهر، وليسوا بحاجة إلى أن يكتب رد عليهم، فألحوا عليه بأننا إذا لم نكتب رداً لهذا الكتاب اعتقدوا أن أهل السنة عاجزون عن الرد عليهم أو الجواب عليهم، عند ذلك كتبها، وفي كتاباته خير كثير ونفع للمسلمين، ورد وقهر للباطل.
المقصود: أن كتبه تسمى بأسماء يسميها الناس، وليس هو الذي يسميها، فهو يكتبها ثم يتركها للناس يتداولونها ويسمونها، ولهذا قيل: الواسطية، وقيل: التدمرية؛ لأن هذه المسألة جواب لرجل من أهل تدمر، وقيل: الحموية الكبرى، والحموية الصغرى؛ لأنها جواب لرجل من أهل تلك البلد، وهكذا مثل الصفدية وهي تقع في مجلدين وهي جواب عن سؤال.
والمقصود: أن هذه العقيدة كتبها في هذا الوقت القصير، وصارت عمدة فيما بعد؛ لأنه تحرى فيها ألفاظ الكتاب والسنة حتى الأمور التي قد يكون فيها شيء مما يخفى على بعض العلماء تجنبه، مثل كلمة (التشبيه) ؛ فإنه لم يذكر في هذه العقيدة هذه اللفظة؛ لأنها لم تأت في القرآن، وقد يكون في التشبيه إجمال كما سيأتي، وقد يراد به حق ويراد به باطل، فتجنب هذا وعدل عن هذا اللفظ إلى التمثيل والتكييف والتعطيل؛ لأن هذا الأمر متفق عليه.