قوله:(وإياكم ومحدثات الأمور) هذا أيضاً نهي عن البدع، والمحدث في اللغة هو الشيء الذي جد، والمقصود به هنا ما أحدث في الدين، والمحدثات هي البدع، وهي من أعظم المحرمات، وكل نقص يدخل على المسلمين من جهة المحدثات أو جهة الغلو والزيادة في المشروع، والغلو داخل في المحدث؛ لأن الزيادة مثل النقص، فالزيادة محدثة كما أن النقص الذي هو الجفاء محدث، فالعبد لا يكون عبداً إلا إذا كان مقتفياً ومتبعاً لآثار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله:(فإن كل بدعة ضلالة)(فإن) للتأكيد و (كل) للعموم، والضلالة: ضد الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في المجتبى للنسائي زيادة:(وكل ضلالة في النار) ، وهي زيادة صحيحة، وبهذا يتبين لنا أنه يتعين على المسلم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وسلوك طريق المؤمنين الذين اتبعوا هذا الطريق، وأنه إذا انحرف عن ذلك فإنه على خطر عظيم.
وقوله:(يعلمون أن أصدق الكلام كلام الله) .
المقصود بهذا أن كلام الله فيه العصمة وفيه الهداية، وليس معنى ذلك أن أحداً يقول بأن كلام الله يكون فيه كذب؛ لأن رب العالمين جل وعلا علام الغيوب، وإذا قال قولاً فهو يطابق الواقع {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[النساء:١٢٢] ، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:٨٧] ، فهو صدق في أخباره، وهو عدل في أحكامه وأقضيته، وهذا هو معنى التمام في قوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}[الأنعام:١١٥] .
وقوله:(وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) : (هدي) : هذه الكلمة يجوز أن تقرأ بالفتح هَدي، ويجوز أن تقرأ بالضم الهُدى، وإذا قيل الهُدى فمعنى ذلك أنه: الاهتداء بالوحي الذي جاء من عند الله جل وعلا، أما الهَدي: فهو السمت والطريقة والسلوك، وهو راجع إلى ذلك.