قال:(فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان) .
يعني أن المكلفين لا يسمعونها ولو كانوا بجواره، وقد يسمع المكلف شيئاً من ذلك تذكرة وعظة، والوقائع في هذا كثيرة جداً، وقد ألف فيها العلماء مؤلفات، وذكروا أشياء بلغت حد التواتر في ذلك، فمن ذلك أنه لما دفن الأحنف بن قيس رضي الله عنه وأدلوه في حفرته وصاروا يصفون عليه اللبن سقطت قلنسوة الذي يتولى صف اللبن في اللحد، فأدخل رأسه ليأخذها فصاح، قيل: ما لك؟ فقال: رأيت القبر لا مدى له، قد فسح ونور نوراً لا أرى أقصاه، وشممت منه رائحة المسك.
وأشياء كثيرة من هذا القبيل جربها الناس ورأوها، ولكن لا يكون إيماننا مبنياً على كوننا نرى الشيء أو يرى لنا أو يسمع، بل إذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كفى، ثم إن هذه أمور غيبية لا نعرف حقيقتها ولا نعرف كيفتيها، أي: لا نعرف كيفية العذاب وكيفية النعيم؛ لأن المقبور إذا وضع في لحده وأتيته بعد وقت وحفرت فإنه يكون على وضعه، فهذا الوضع لا يدل على أنه لم يعذب ولم ينعم، بل يعذب وينعم وهو على هذا الوضع، ويأتيه من الشدائد أو من الراحة والنعيم الشيء الكثير وهو على وضعه.
بل يقول العلماء: إن القبر قد يوضع فيه أكثر من واحد، فقد يوضع فيه جماعة فيكون واحداً منهم منعماً والآخر معذباً، فالذي ينعم لا يصل إلى المعذب من نعيمه شيء وإن كان بجواره، وكذلك المعذب لا يصل إلى المنعم من عذابه شيء، وقدرة الله جل وعلا لا تحد، والمقصود أن هذا من أمور الآخرة الغيبية التي يجب الإيمان بها ولو لم نعرف ذلك.