القسم الأول: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهو في الواقع قليل ولكنه حدث في شذاذ الناس، وأكثر من حدث فيهم الرافضة في أول أمرهم، ثم بعد ذلك صاروا معتزلة.
ولكن ليعلم أن التشبيه أصبح أمراً إضافياً، فكثر ذكره في الكتب والمؤلفات، وذم أصحابه، ولو أنك مثلاً بحثت عن طائفة معينة لها كتب مستقلة، ولها أئمة ولها علماء يسمون المشبهة لم تجد ذلك، والسبب في هذا أن كل فريق إذا خالف فريقاً آخر فأثبت ذلك الفريق المخالف خلاف ما يقوله هذا الفريق سماه مشبهة، ولهذا فإن متطرفة الجهمية يسمون المعتزلة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الأسماء، والمعتزلة يسمون الأشعرية مشبهة؛ لأنهم يثبتون بعض الصفات، والأشعرية يسمون أهل السنة مشبهة؛ لأنهم يثبتون الصفات، وهكذا فيكون.
التشبيه حسب الاعتقاد، ويكون في الواقع ليس صحيحاً، وبعض الناس رمي بالتشبيه وليس ثابتاً، وهذا يوجد في كتب المقالات، مثل: مقاتل بن سليمان يقولون: إِنه من المشبهة، وإِنه مشبه، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ما أظن ذلك يثبت عنه وما وجدت شيئاً من كلامه يستدل به على ذلك، والذين رموه بالتشبيه أخذوا ذلك عن أعدائه.
والآن قد طبع كثير من كتبه مثل: التفسير وغيره، ومعلوم أن التفسير هو مظنة ذلك، ولا يوجد في التفسير كلمة واحدة تدل على أنه مشبه، وهذا يعطينا فائدة: وهي أن الإنسان يجب عليه أن يتثبت إذا قيل له: إن الطائفة الفلانية كذا وكذا وفيها كذا وكذا، فيجب أن يرجع إلى كلامها أو إلى كلام الشخص نفسه، ولا يأخذ هذا من كلام الناس فهذا في الواقع خطأ يضر كثيراً جداً، حتى في الشيء الذي يكون بين الحاضرين، تجد إنساناً مثلاً ينقل عن آخر قولاً يكون خطأ؛ لأنه فهم غير مراده، فينقل عنه شيئاً حسبما فهم، فيكون مخطئاً في ذلك، ثم ربما انتشر ذلك فنسب إليه القول وهذا كثير.
فالواجب على الإنسان أن يتثبت في مثل هذه الأمور وأن يكون على بصيرة ولا يغتر بالنقل، فكل من نقل شيئاً أخذ به، وإنما تؤخذ العقائد وأقوال الناس من كتبهم ومن أنفسهم، ولا يؤخذ من أعدائهم، إذا أخذ الإنسان من أعدائه فإن العدو قد يقول ما لا يقوله، وهذا ما يسري على جميع الناس، أما أهل الحق الذين هم أهل السنة فيمنعهم إيمانهم وخوفهم من الله من أن يقولوا على الإنسان ما لم يقله، فأقوالهم إذا قالوها فهي موثوق بها، ولكن قصدي أصحاب المقالات.
ثم هناك شيء آخر: وهو أن أصحاب المقالات ينقل بعضهم عن بعض، فيكون مثلاً هذا متوارداً على النقل، والمقصود أن التشبيه كما قلنا: ينقسم إلى قسمين: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا قليل كما قلنا وهو باطل، والإمام أحمد يقول: إن التشبيه مثل أن يقول القائل: إن يد الله كأيدينا، وسمع الله كأسماعنا، وبصره كأبصارنا، ووجهه كوجوهنا تعالى الله وتقدس، فهذا التشبيه الذي هو منفي بقوله جل وعلا:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] وقوله جل وعلا: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً}[البقرة:٢٢] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم:٦٥] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:٤] وما أشبه ذلك من الآيات التي سبقت.