[عدم المنافاة بين فوقية الله سبحانه وتعالى وبين نزوله]
وقوله:(فوق سماواته على عرشه) ، جاء هذا صريحاً في كتاب الله أنه فوق خلقه، فوق عباده، الفوقية من صفاته جل وعلا، وهي من صفات الذات، بحيث إنها لا تنفك عنه أبداً، فدائماً هو فوق كل شيء، وصفاته لا تشبه صفات خلقه.
فإذا أخبر جل وعلا بخبره الذي قاله وأنزله على رسوله، أو بالخبر عنه الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن خبره قوله جل علا:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[البقرة:٢١٠] ، وقوله جل وعلا:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢] ، وقوله جل وعلا:{وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[الزمر:٦٩] ، ونحو ذلك من الآيات التي يخبر بها أنه يجيء إلى الفصل بين خلقه وهم في الأرض، ينزل إليهم، يأتي إليهم.
وأما خبر رسوله صلى الله عليه وسلم فكقوله صلى الله عليه وسلم:(ينزل ربنا إلى سماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر، وذلك كل ليلة، ويبسط يده ويقول: هل من مستغفر فيغفر له، هل من سائل فيعطى، هل من تائب فيتاب عليه، حتى يطلع الفجر) ، ونحو ذلك من الأخبار التي يخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا أخبرنا بهذه الأخبار وجاءت، فإن هذه لا تنافي أنه على عرشه وأنه فوق كل شيء، وأنه لا يكون شيء فوقه، فهو يجيء إلى الأرض وهو على عرشه، والمخلوقات كلها تحته، بسماواته وعرشه وجميع المخلوقات؛ لأن علوه ذاتي لازم له، ولا يمكن إلا أن يكون هو العلي الأعلى؛ لأنه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، والسماوات كلها يقبضها بيده جل وعلا، فتكون في يده جل وعلا صغيرة حقيرة، ثم يهزها ويقول:(أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون المتكبرون؟) ، ثم يقول:(لمن الملك اليوم؟ فلا يجيب أحد؛ لأنهم مقبوضون في قبضته، فيجيب نفسه جل وعلا، ويقول: لله الواحد القهار) .
فهو الواحد الذي ليس كمثله شيء، القهار الذي قهر كل شيء، وكل شيء مخلوق له يتصرف فيه كيف يشاء، وعلوه لا ينافي نزوله كما أنه لا ينافي معيته التي أخبر أنه جل وعلا مع خلقه، كما ذكر جل وعلا الجمع بين العلو وبين المعية؛ لأن هذه من خصائصه، ولا يمكن أن يختص بها مخلوق.