أما حججهم التي احتجوا بها: فمنها: أن الله جل وعلا غاير بين الإيمان والعمل، وهذا كثير في الكتاب، كقول الله جل وعلا:((الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) فعطف الإيمان على العمل، فقالوا: إن العطف يقتضي المغايرة.
الدليل الثاني: أنهم قالوا: إن الله جل وعلا خاطب المؤمنين باسم الإيمان قبل مخاطبتهم بالأوامر والنواهي، فقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:٦] ، ونحو هذه الآية، فجعلوا هذا دليلاً على أن العمل غير الإيمان.
الدليل الثالث: يقولون: لو أن رجلاً آمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم لحظةً قبل الظهر ثم قبل دخول وقت صلاة الظهر مات لحكم بأنه من أهل الجنة، وأنه مؤمن، وهو لم يعمل خيراً في إسلامه، فجعلوا هذا أيضاً من الأدلة على أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان.
وكل هذه الأدلة منقوضة، ونقضها واضح لا يحتاج إلى الاستدلال عليه؛ لأن أدلتهم مجرد ألفاظ خالية عن المعاني التي ربط الله جل وعلا بعضها ببعض، فقد يُعطف الشيء على نظيره أو على مثيله، وقد يكون عطف عام على خاص أو بالعكس، كما هو معروف، يقول جل وعلا:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}[الأعلى:١-٤] إلى آخر هذه المعطوفات، وهي لا تدل على المغايرة.
أما كون الخطاب جاء باسم الإيمان فهذا أيضاً واضح أنه ليس دليلاً على أن العمل غير داخل في الإيمان؛ لأن الذي يمتثل الأوامر هو من تحلى بالإيمان.
وأما دليلهم الثالث فنقول: هذا لم يجب عليه إلى الآن أي عمل، وهو ما ترك شيئاً من الإيمان وجب عليه، وإنما امتثل في قلبه واستعد للعمل، ولكنه لم يصل إلى الوقت الذي يجب عليه العمل فيه، فليس ملوماً.
وبهذا نعرف أن مذهب أهل السنة في الإيمان هو المذهب الصحيح الذي يجب أن يُعتقد، ومن أجل ذلك يذكره العلماء في العقائد.
أما أهل المعاصي الذين فيهم الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة والخوارج فقد سبق الكلام عليهم، وبيان أن الذي يرتكب كبيرة لا يسلب منه الإيمان بالكلية، ولا يعطى الإيمان الكامل، فلا يطلق عليه الإيمان مطلقاً، وإنما يطلق عليه بقيد، فيقال: إنه مؤمن ناقص الإيمان، أو يقال: إنه مؤمن مرتكب كبيرة أو كبائر، أو يقال: إنه مؤمن فاسق، أو إنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، كما يعبر بذلك كثير من أهل السنة.