قوله:(لا تدعون أصم ولا غائباً) يدلنا على أنه ينفى عن الله جل وعلا صفات النقص، وأن صفات الله تنقسم إلى قسمين: صفات سلب، وصفات إثبات، فيسلب عنه كل نقص، ويثبت له كل كمال، وهذا بالإجمال.
وقوله:(ولا غائباً) يدل على القرب، ثم قال:(إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً) فأثبت ضد ما نفى، وقربه تعالى يكون على جهتين: الجهة الأولى: قرب من داعيه، وقد جاء ذلك في القرآن:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي}[البقرة:١٨٦] .
الجهة الثاني: قرب يكون بالإجابة يعني: بإنالة المطلوب، فلا تستبعد الإجابة، بل كن واثقاً بالله، فإن الإجابة قريبة؛ لأنها بيد الله جل وعلا، فهو قريب من ذلك.
ولم يأت أن القرب يكون خاصاً وعاماً كما قال بعض العلماء: قرب الله ينقسم إلى قسمين: قرب عام، وقرب خاص، فالعام كقوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦] ، والخاص كقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي}[البقرة:١٨٦] ، ولكن هذا فيه نظر والعلم عند الله تعالى؛ لأن قوله:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦] جاء أيضاً بهذه الصيغة: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}[الواقعة:٨٥] ، وهذه الجملة (ونحن أقرب إليه) وما أشبه ذلك من العبارات التي تدل على الجمع قال شيخ الإسلام: إن هذا يكون لمن له أعوان يطيعونه ويمتثلون أمره، ومعنى ذلك أن الملائكة التي تمتثل أمره وتتصرف بأمره هي القريبة، ويكون هذا ليس من هذا الباب، والله أعلم.
والمقصود بهذا أن قربه لا ينافي علوه، فهو قريب وهو على عرشه كما سبق في حديث العباس لما ذكر المسافة التي بين السماء والأرض، ثم بين سماء وسماء ثم بين السماء السابعة والبحر، ثم بين البحر والعرش، ثم قال:(والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء مما تعملون) ، فهو في علوه قريب، فعلوه لا ينافي دنوه، ودنوه لا ينافي علوه تعالى وتقدس، فيجب أن يجمع بين هذا وهذا على ما يليق بالله جل وعلا، ثم ليعلم أن قربه ونزوله وإتيانه إلى الأرض ليس كصفة المخلوقين، فقد يتصور الجاهل أن الشيء إذا كان فوق ثم نزل إلى تحت فإن العلو يخلو منه، ويكون خالياً منه، فالله تعالى صفاته خلاف صفات المخلوقين:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] لا في ذاته ولا في صفاته.