أما الدرجة الثانية: فتتضمن شيئين: الشيء الأول: مشيئة الله النافذة، المشيئة يجب أن تكون عامة شاملة، وقوله (نافذة) يعني: أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا من الأمور التي يؤمن بها المسلمون، ولا يخالفون فيها، فمن خالف فيها فهو خارج عن صفة المسلمين، فمشيئة الله وحده هي التي تمضي وتنفذ، وكل المسلمين يقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا أمر اتفقوا عليه، وفطروا عليه، وعلموه صغيرهم وكبيرهم، فهذه درجة الإيمان بمشيئة الله النافذة.
ومن الضلال أن يقول قائل من هؤلاء الضلال: إن الله شاء من الكافر الإيمان، وشاء الكافر الكفر؛ فوجدت مشيئة الكافر وتخلفت مشيئة الله، فهذا ضلال وهو قول القدرية الذين لا يزالون موجودين، وهو ضلال بين وواضح، وهؤلاء هم الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروى كما في السنن:(مجوس هذه الأمة) وذلك أن المجوس يؤمنون بخالقين: خالق الشر وخالق الخير، أو إله النور وإله الظلمة، وإله النور عندهم خير يخلق الخير ويريده، وإله الظلمة شرير يخلق الشر ويريده، وهذا في الواقع شيء يخالف الفطرة؛ لأنه ليس هناك إلا خالق واحد.
ولكن وجه الشبه أن هؤلاء جعلوا الناس هم الذين يخلقون أفعالهم: فالكافر يخلق الكفر، والمؤمن يخلق الإيمان، وقالوا: إنه ليس لله مِنَّة على المؤمن، وليس له فضل تفضل به عليه، فالمؤمن يؤمن باختياره وقدرته ومشيئته، والكافر يكفر باختياره وقدرته ومشيئته، مع أن الله جل وعلا يقول:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان:٣٠] ويقول جل وعلا: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً}[الحجرات:٧-٨] .
وهؤلاء إذا قوبلوا بمثل هذه الآية يقولون: معنى تزيين الإيمان في قلب المؤمنين وتكريه الكفر، أن يقول لهم: إن الكفر جزاؤه النار، وإن الإيمان جزاؤه الجنة، وهذا كفعل الذين يحرفون كلام الله.