والناس في الجملة بالنسبة للرؤية أقسام ثلاثة طرفان ووسط: الطرف الأول: النفاة الذين نفوا الرؤية مطلقاً، وهم المعتزلة والجهمية ومن سار على نهجهم من الرافضة والخوارج وغيرهم، فإنهم نفوا الرؤية نفياً مطلقاً.
الطرف الثاني: وهو يقابل الطرف الأول، من يثبتونها إثباتاً زائداً على الحق، ويقولون: إنه يُرى حتى في الدنيا، وهم كثير من الصوفية، ويقولون: إنا نشاهده في بعض الأحيان، والمشاهدة لا تقبل الإنكار، فنحن نشاهده مشاهدةً بأبصارنا، ونحن مقتنعون بذلك! ويقال لهم: نعم أنتم تشاهدون ربكم، ولكن الذي تشاهدونه ليس هو رب العالمين، ولكنه الشيطان، فهو ربكم يتمثل لكم ويغويكم في ذلك، أما رب العالمين فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم:(واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) ، وكما قال الله جل وعلا في قصة كليمه موسى عليه السلام لما طلب من ربه أن يراه:{لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:١٤٣] فدلت هذه الآية على أن الرؤية في الدنيا غير ممكنة وغير واقعة كما دل على ذلك الحديث صراحة.
الطرف الثالث: أهل السنة الذين يقولون: إن رؤية الله ممكنة في الدنيا، ولكنها غير واقعة في الدنيا، وهي واقعة في الآخرة للمؤمنين في الجنة وفي الموقف، أما في الجنة فهم يتفاوتون في الرؤية؛ فمنهم من يرى ربه بكرةً وعشياً، مرتين في اليوم، ومن المعلوم أن أهل الجنة ليس عندهم شمس ولا ليل ولا نهار، وإنما نور الجنة من نور العرش، ونوره من نور الله جل وعلا، ولكنهم يعرفون مقدار اليوم والليلة، فيرون ربهم بكرة وعشياً؛ ولهذا في حديث جرير أنهم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا؟ قال:(هل ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ولا قتر؟ قالوا: نعم، قال: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ولا قتر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاتين: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) ، قال العلماء: في هذا دليل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين يكون من جزائه رؤية الله جل وعلا في الجنة.