للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضهم: لإخوانهم في النسب، والمعنى الأول أصح؛ لأنهم لا يخاطبون إخوانهم في النسب فقط بل يخاطبون كل من استشهد في غزوة أحد، وليس كل من استشهد أخًا لواحد من المنافقين، فيكون المراد بإخوانهم أي: ظاهرًا؛ لأن المنافقين مع المؤمنين كأنهم مؤمنون، ولهذا لما استئذن النبي في قتلهم، قال: "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (١)، إذن فهم ظاهرًا إخوان وأصحاب، فلهذا نقول في {لِإِخْوَانِهِمْ} الصواب لإخوانهم ظاهرًا لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

وقوله: {وَقَعَدُوا} أي: قعدوا عن القتال، والله يسمي المتخلفين عن القتال قعودًا، فقال: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: ٩٥] فسمى المتخلفين عن القتال قعدة. وقال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦)} [التوبة: ٤٦].

إذن "وقعدوا" يعني عن القتال، والجملة في قوله: (وقعدوا) في محل نصب على الحال بتقديم "قد" أي: (وقد قعدوا) وهذا أولى من أن نجعل الجملة معطوفة على الصلة، يعني قالوا وقعدوا؛ لأن قولهم حال كونهم قعودًا أشد، فهم جمعوا بين أمرين، بين السوء في القول والسوء في الفعل. حيث قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} أي: لو أطاعوهم بعدم الخروج؛ لأن المنافقين أشاروا بعدم الخروج ولكنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - والصادقين من المؤمنين أبوا إلّا أن يخرجوا، وفي أثناء الطريق انخذل عبد الله بن أُبي ومن


(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، رقم (٤٦٢٢). ومسلم في كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، رقم (٢٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>