للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإنفاق إحسان، وكظم الغيظ إحسان، والعفو عن الناس إحسان، فيكون هذا أشمل، فعليه نقول: هذه الجملة فيها الترغيب والحث على فعل الخصال السابقة، وأنها من الإحسان, وإذا فعل الإنسان خصلة أعلى مما سبق كانت داخلة في هذا من باب أولى كما لو عفا وأحسن فإنني أقول: هذه خصلة زائدة على مجرد العفو فتكون أولى بالدخول في قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

[من فوائد الآيتين الكريمتين]

من فوائد قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}:

١ - فيها الأمر بالمسارعة إلى المغفرة والرحمة والجنة. وهل الأمر للوجوب؟ نقول: أما فيما يجب فواجب، وأما فيما لا يجب فليس بواجب، ولكن الإنسان يؤمر بأن يسارع، وفيه دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يؤثر غيره بالقربات؛ لأنه إذا آثر غيره بالقربات فهذا يعني التأخر، ومن أمثلة ذلك أن يؤثر غيره بمكانه الفاضل في الصف بأن يتأخر عن مكانه في الصف الأول لرجل آخر، فإن هذا خلاف المسارعة إلى الخيرات.

ولكن إذا ترتب على إيثار غيره بهذا المكان مصلحة أكبر من مصلحة التقدم لم يكن إيثاره من باب التأخر عن الخيرات؛ لأنه تنازل عن فضيلة إلى فضيلة أعلى، فلا يكون هذا إيثارًا في الحقيقة، ولا يدل على هذا زهد الإنسان في فعل الخير، بل هو انتقال من خير إلى ما هو خير منه. والإيثار بالقرب، إما: إيثار بواجب فهو حرام، وإيثار بمستحب فهو مكروه. مثال الإيثار بالواجب: رجل عنده مال لا يكفي إلا لحج رجل واحد، فيعطي

<<  <  ج: ص:  >  >>