للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلما عفا الناس عنه ازداد شرًّا، فهنا المؤاخذة خير بل قد تجب. وإنسان آخر اعتدى على شخص ولكنه رجل معروف بالاستقامة -أعني المعتدي- وعدم الاعتداء لكن بدرت منه بادرة فحصلت منه إساءة، فهنا العفو أولى، ولاسيما إذا جاء هذا المعتدي يعتذر ويتعهد أن لا يعود أو ما أشبه ذلك. ورجل ثالث اعتدى على آخر وهو شرير لكنه لم يبلغ في الشر غايته، يعني أحيانًا وأحيانًا، فهنا العفو أفضل لأنه يتساوى الأمران، فالعفو هنا أفضل.

وقوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} يشمل حتى عن الكفار إذا لم يكونوا حربيين، فإن الإنسان إذا عفا عنهم فيما يتعلق بحق خاص، وكان في العفو إصلاح؛ فإنه يدخل تحت الآية الكريمة.

وقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يعني الذين يحسنون إلى الناس، ولكن هل المراد بذلك المحسنين فيما سبق أو المحسنين فيما يستقبل؟ بمعنى هل قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} عائد على قوله: {لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} وأن هؤلاء من المحسنين؟ أو أنه لما ذكر العفو وهو إسقاط الإنسان حقه عن المؤاخذة ذكر حالًا أخرى أكمل منها وهي الإحسان فقال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يعني فإذا أحسنوا مع العفو كان ذلك سببًا لمحبة الله؟ الثاني له وجه، والأول أعم؛ لأننا إذا قلنا: (المتقين) هل هم محسنون؟ نعم، لا شك أن المتقي محسن إذا كان كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (١).


(١) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (٥٠). ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإِسلام والإحسان، رقم (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>