للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أنهم عاجزون لا يقدرون أن يغدروا بالذمم؛ لأنهم يخافون أن يُعاقبوا، ولا يظلمون الناس؛ لأنهم لا يستطيعون أن يظلموا الناس، ومن ذلك قول الشاعر:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عددٍ ... ليسوا من الشر في شيءٍ وإن هانا

يعني هم بعيدون عن الشر وإن كان هيِّنًا.

يجيزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا

عندما يسمع السامع هذا البيت يظن أنهم في قمة الأخلاق العالية، ولكنه العكس، ولذلك قال:

فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنُّوا الإغارة فرسانًا وركبانا

(فليت لي بهم): أي ليت لي بدلهم.

إذن فهمنا الآن أن الكلام الأول ذم، أما صفات الله عزّ وجل إذا وجدت فيها النفي فهي مدح، فإذا وجدت نفي الظلم فلكمال العدل، وإذا وجدت نفي اللغوب فلكمال القوة، وإذا وجدت نفي العِي {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف: ٣٣]، فلكمال القوة أيضًا، وإذا وَجدت نفي الغفلة {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٧٤] فلكمال العلم والمراقبة، وهكذا.

[من فوائد الآية الكريمة]

١ - أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز في حقِّهم كتمان ما أنزل الله عليهم؛ لقوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}.

٢ - أنه لا يجوز لأتباع النبي الغلول {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} إذن فأتباعه ليس لهم أن يَغُلُّوا، ولهذا كان الغلول من كبائر الذنوب، حتى إن العلماء يقولون: إن الغالَّ يُحرَّق رحله، إلا المصحف وما فيه روح والسلاح، وتحريق الرحل من أجل التنكيل

<<  <  ج: ص:  >  >>