للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، هل هي مؤكدة أو مؤسسة؟ لأن الإنسان قد يرى ولكن لا يحقق ما يرى، قد يرى الشيء وهو غافل عنه لكن إذا رآه وهو ينظر إليه تمامًا قد ركز، فهذا نظر خاص أخص من النظر العام. نحملها على ذلك؛ لأن الأصل في الكلام التأسيس؛ لأن التوكيد نوع زيادة ليس فيه إلا توكيد ما مضى، وقد لا يحتاج إليه لكن التأسيس هو الأصل.

إذن يقول الله عزّ وجل: {كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ} ويقيم على ذلك الشهادة بالتوكيد {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} فلماذا يحصل منكم هذا التخاذل؟ ولهذا قال: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أي: الموت أو من استشهد في غزوة أُحد رأوه بأعينهم، وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد رأوه أي رأوا أسبابه وهو القتال؛ لأن من لم يقتل لم ير الموت، ولكن هذا تفسير فيه نظر؛ لأن رؤية الموت يراها الإنسان في نفسه وفي غيره، فقد رأيتموه فيما بينكم وأنتم تنظرون.

وفي هذه الآية من المسائل النحوية قوله: {تَمَنَّوْنَ} حيث إن صورته صورة الماضي، ولكنه صيغ بصيغة المضارع أصلها: تتمنون الموت.

[من فوائد الآية الكريمة]

١ - إقامة الحجة على من كانوا يتمنون الموت وقد رأوه، ومع ذلك حصل منهم تخاذل؛ لقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} يعني فيها، أنتم الآن رأيتموه فما موقفكم؟ .

٢ - وفيه أنه لا ينبغي للإنسان أن يتمنى المكروه؛ لأنه إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>