للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقوله: {عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} فمن يحصي بني آدم من أهل الكتاب وغيرهم؟ ومن يحصي أعمالهم؟ الله عزّ وجل، واسع عليم، يحصي كل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم.

وربما يستفاد من هذه الآية من قوله: {شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} أنه لا يحاسب العبد على ما حدّث به نفسه، كما صحَّ ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" (١).

فحديث النفس -أي الوساوس التي تكون في الصدر- لا يؤاخذ عليها الإنسان إلا إذا عمل، وركن إليها، واعتقدها، وجعلها من أعمال القلب. فحينئذٍ يحاسب عليها، وكذلك إذا نطق بها لسانه، أو عمل بمقتضاها بجوارحه، فحينئذٍ يحاسب عليها.

* * *

• ثم قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: ٩٩].

هذا أمر آخر للنبي - صلى الله عليه وسلم - من ربّه أن يوبخ أهل الكتاب على عدوانهم على غيرهم؛ لأن التوبيخ الأول: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: ٩٨] توبيخ على عملهم القاصر عليهم، والثاني: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} توبيخ على عدوانهم على الغير حيث يصدون عن سبيل الله.


(١) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والإكراه، رقم (٥٢٦٩). ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، رقم (١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>