للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

• ثم قال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: ١١١].

الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المتمسكين بهديهِ، والفاعل في (يضروكم)، يعود على أهل الكتاب أي لن يضركم أهل الكتاب إلَّا أذىً، وقوله: {إِلَّا أَذًى} اختلف المفسرون فيها: هل هذا الاستثناء منقطع أم متصل؟ فمنهم من قال: إنه استثناء متصل؛ لأن هذا هو الأصل في الاستثناء.

وعلى هذا الرأي يكون في الآية من شيء من الحذف تقديره: (لن يضروكم إلَّا ضررَ أذىً) ليس ضرر عدوان حسِّي ببتر عضو أو أخذ مال، وإنما هو أذى، وذلك بأن يُسمِعُوكم ما تكرهون بالتوبيخ والاستهزاء وما أشبه ذلك. ولا شك أن الأذى نوع من الضرر لكنه ليس الضرر الذي يطلق عليه اسم ضرر.

والقول الثاني: أن الاستثناء هنا منقطع، وعلى هذا القول يكون المعنى: "لن يضروكم ولكن يؤذونكم" والأذية لا يلزم منها الضرر، ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: ٥٧] فأثبت أنهم يؤذون الله ورسوله. وقال تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: ١٧٦]. وفي الحديث القدسي: "يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني" (١) فالضرر منتفٍ عن الله، والأذية حاصلة، ومن أمثلتها قوله تعالى في الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم، يسبُّ الدهر وأنا الدهر" (٢)، ويوضح هذا أنه لو صلى إلى جانبك رجل قد أكل


(١) تقدم تخريجه في المجلد الأول (ص ٥٦٠).
(٢) رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، رقم =

<<  <  ج: ص:  >  >>