للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن العدول عن الغيبة إلى الخطاب أشد وقعًا من الغيبة، يعني أن المشافهة بالخطاب أشد وقعًا من المشافهة بالغيبة، ولهذا قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: ١ - ٢] ولم يقل: عبست وهو يريد سبحانه وتعالى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن أسلوب الغيبة أهون وقعًا من أسلوب الخطاب، وتأملوه في قصة الخضر مع موسى في الجملة الأولى قال له: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٧٢]، {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} وفي الثانية {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} فكانت الثانية أشد وقعًا من الأولى.

[من فوائد الآية الكريمة]

١ - أن الله عزّ وجل أخذ على أهل العلم العهد ببيان العلم وعدم كتمانه؛ لقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ}.

٢ - التحذير من كتمان العلم؛ لأن الله ذكر ذلك على سبيل الذم لا على سبيل المدح، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم عَلِمَه ثم كتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" (١) نعوذ بالله منه، أي: أنه مَنْ كتم العلم ولم ينطق به فإنه يجعل له يوم القيامة لجام يُلجم به على فمه لسكوته عن بيان العلم.

٣ - وجوب بيان العلم على أهل العلم فيبينوا العلم الذي آتاهم الله، ولم يذكر الله عزّ وجل الوسيلة التي يحصل بها البيان، فتكون على هذا مطلقة راجعة إلى ما تقتضيه الحال، قد يكون البيان بالقول، وقد يكون بالكتابة، وقد يكون في المجالس العامة، وقد يكون في المجالس الخاصة، على حسب الحال؛ لأن الله أطلق البيان ولم يفصّل ولم يعيّن.


(١) رواه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، رقم (٢٦٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>