١ - أن عيسى ابن مريم قد جاء بما يصدق به التوراة؛ لقوله {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} , وقد سبق لنا أن معنى (مصدقًا) أو أن كلمة {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} كلمة ذات وجهين: الوجه الأول: أنه شاهد بصدق التوراة، وأنها حق, والثاني: أنه مطابق لما أخبرت به، وإذا جاء الشيء مطابقًا لما أخبر به، فهذا تصديق شاهد بالصدق.
٢ - جواز النسخ في الشرائع؛ لقوله:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}، وهذا نسخ، والنسخ في الشرائع ثابت منذ نوح إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وأنكرت اليهود وجود النسخ، وقالت: لا يمكن أن ينسخ الله الحكم؛ لأن هذا يستلزم نقصًا في حق الله، فيقال لهم: ومتى وصفتم الله بالكمال -أنقصكم الله وأذلكم- ألم تقولوا: إن يد الله مغلولة؟ ألم تقولوا: إن الله فقير؟ ألم تقولوا: إن الله استراح حين خلق السموات والأرض وتعب؟ فكيف تقولون: إن النسخ يستلزم النقص على الله؟ يقولون لأنه يستلزم العلم بعد الجهل، كأن الله إذا نسخ الحكم الأول تبين له أن الصواب في الحكم الثاني، وهذا نقص.
فنقول لهم: نحن نرد عليكم بشريعتكم، قال الله تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}[آل عمران: ٩٣] , وقال:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠] , وأنتم تعتقدون أن التوراة ناسخة للكتب السابقة المنزلة على بني