للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والوجه الثاني: أن تكون في موضع نصب على المفعولية المطلقة؛ أي: مثل ذلك الفعل ليفعله الله، لأنه يفعل ما يشاء، وكلا الوجهين صحيح، فإنه سيكون له ولد ولو كان بلغه الكبر ولو كانت امرأته عاقرًا؛ لأن الله يفعل ما يشاء. فكل ما شاءه فعله؛ لأنه عزّ وجل لا يمنعه مانع كما نقول نحن في دبر كل صلاة: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت" (١)، فالله عزّ وجل يفعل ما يشاء؛ لأن له الملك المطلق في خلقه، فلا أحد يمنعه ولا أحد يسأله لمَ فعلت؟ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣]، {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}.

فلما أيقن بأن الله تعالى سيهب له الولد {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً}، أي صيّر لي علامة تدل على هذا الولد، وأنه بدأ ينشأ ليزداد طمأنينة فيما بشره الله به. والآية في اللغة: العلامة، وآيات الله عزّ وجل كونية وشرعية، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أيدوا بالآيات الدالة على صدقهم، الآيات الكونية والآيات الشرعية. وكثير من الناس يسمي آيات الأنبياء معجزات، وهذه التسمية وإن اشتهرت على الألسن لكنَّ فيها قصورًا، والتعبير الصحيح السليم أن نسميها آيات كما سمَّاها الله، نسمي ما يحصل من خوارق العادات على أيدي الأنبياء؛ نسميها آيات، ولهذا لا تجد آية في القرآن سمى الله فيها هذه الخوارق معجزات أبدًا، بل كان يسميها آيات.


(١) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، رقم (٨٤٤). ورواه مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، رقم (٤٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>