للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمناه ووقع ربما ينكص ولا يصبر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" (١). وهكذا الإنسان قد يشعر في نفسه أنه يقوى على الشيء ولكن يعجز عنه، وقد ذكروا أن سحنون صاحب مالك رحمه الله كان من العُبَّاد فقال يومًا من الأيام كلامًا معناه: يا رب إني صابر فكيفما شئت فامتحني، ابن آدم فقير مسكين، يعني أصبر على كل بلاء فامتحني يارب، فأصيب بعسر البول، صار لا يبول إلا بمشقة شديدة، قالوا: فكان يدور على مدارس الصبيان فيقول: ادعوا لعمكم الكذاب. وذهب إلى الصبيان، لأنهم أقرب إلى الإجابة لطهارة قلوبهم وسلامتها ولا ذنوب عليهم، الكذاب! لأنه قال: إني أصبر فكيفما شئت فامتحني. ولم يصبر، وهكذا الإنسان ينبغي له أن يسأل الله العافية لكن إذا ابتلي فليصبر.

٣ - أنه لا بأس أن يوبِّخ الإنسان من تحدى واتخذ لنفسه مكانًا عاليًا إذا وجده قد تخاذل في هذا المكان، مثل لو كان رجل من الناس يزعم أنه صبور وأنه جَلْد وما أشبه ذلك، فإذا ألمّت به الأمور صار جبانًا هلوعًا لا يتحمل فيذكِّره. أظن أن أحد الشعراء كان يقول في شعره:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم

شجاعة، وعلم، وكتابة وكل شيء، فحصلت غزوة كان فيها


(١) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، رقم (٣٠٢٤). ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، رقم (٤٥٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>