للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلاهما ممتنعٌ في حقِّ الله عزّ وجل كما قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

وإنما انتفى الظلم عنه لكمال عدله، لا لعجزه عن الظلم، هو قادرٌ على أن يظلم عزّ وجل ولكنه لكمال عدله لا يظلم، ولدينا قاعدة في العقيدة وهي: أن جميع الصفات التي نفاها الله عن نفسه لا يُراد بها مجرد النفي، وإنما يُراد بها إثبات كمال الضد.

فمثلًا: الظلم ضده العدل، فإذا نفى الله عن نفسه الظلم، فالمراد بذلك أنه لكمال عدله لا يظلم، وإنما قلنا ذلك لأن النفي المحض لا يوجد في صفات الله أبدًا، إذ إن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء فضلًا عن أن يكون كمالًا.

وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: ٣٨] يعني من تعب، فالمراد به إثبات القوة يعني: وما مسَّنا من لغوب لكمال قوَّتنا، وهلُمَّ جرّا.

قال العلماء: النفي قد يكون للعجز عن الشيء، وقد يكون لعدم قابلية الشيء، فإذا قلت: (إن جدارنا لا يظلم) هذا لعدم القابلية؛ لأن الجدار لا يقبل الظلم، ولا العدل.

وإذا قلنا عن رجل ضعيف يضربه الناس ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه، نقول: (هذا الرجل لا يظلم) هذا ذم، ولهذا يقول الشاعر في ذم قبيلة:

قُبَيِّلةٌ لا يغدرون بذمَّةٍ ... ولا يظلمون الناس حبة خردلِ

الذي يقرأ البيت هذا يقول: هؤلاء الناس جيِّدون، لا يغدرون بذمة، أي يوفون بالعهد، ولا يظلمون الناس حبة خردل،

<<  <  ج: ص:  >  >>