هو الذي يؤتي العلم. قال الله تعالي:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩]. وقال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}[الكهف: ٦٥].
وقوله:{نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ}: يحتمل أنه يفيد التقليل، أو التكثير، فيكون المراد أنهم أوتوا نصيبًا كبيرًا من الكتاب، بحيث يكون حاملًا لهم على الاهتداء، ولكنهم -والعياذ بالله- استكبروا. ويحتمل أنه ليس عندهم إلا علم قليل، وأنه لو فرض أن عندهم علمًا كثيرًا، فإن هذا العلم لم ينفعهم، فصاروا كالذي أوتي نصيبًا قليلًا من العلم.
وقوله:{يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ}: هذا محل التعجب؛ يعني: أنهم مع ما عندهم من العلم يدعون إلى كتاب الله. والداعي لهم: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن دعا بدعوته إلى يوم القيامة، هؤلاء يدعون إلى كتاب الله.
{لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}: إسناد الحكم هنا يحتمل أن يكون إلى الله عزّ وجل ليحكم الله بينهم بكتابه، ويحتمل أن يكون إلى الكتاب، وأسند الحكم إليه لأن الحكم صار به، ويضاف الشيء إلى سببه كثيرًا. ولكنهم لا يقبلون هذا؛ ولهذا قال:{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
يتولى فريق منهم لا كلهم؛ لأن بعضهم قد هدي. بعض هؤلاء الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب قد هداهم الله، وهم كثير. لكن تولى فريق منهم، ومع توليهم فإنهم معرضون، والعياذ بالله، ليس عندهم إقبال، لا في الظاهر ولا في الباطن، بل هم متولون معرضون. وإنما قال:{وَهُمْ مُعْرِضُونَ} الآية -وهي جملة حالية